الإنسان يصنع التاريخَ بفكره وعقله وعمله وسيره في سبيل الحق، ولا يمكن للتاريخ أن يصنع إنساناً، في يوم الولادة المجيد ومن فوق ثرى أرض الرافدين وبلاد الخصب وموطن الأبجدية الأولى أطلَّ الرفيق الأمين العام لحزب البعث العربي الاشتراكي، قائد الجهاد والتحرير، الرفيق عزة إبراهيم بكلماتٍ انتظرها العراقيون والعرب بلهفة وشوق لأمرين : الأمر الأول لتطمئن على القائد المجاهد بعد الكثير من الأخبار الكاذبة التي تداولها الذباب الإلكتروني للمنطقة الخضراء، وإعلام أذناب الاحتلال الفارسي. الأمر الآخر لتغرف من معين القائد ومن فكره، وتتلقى منه مباشرة ما يكون لها نبراساً ومنهاجاً خلال القادم من الأيام. كما هو نهج المؤمن الواثق بالله الذي يمنح هداه ورشده من يشاء من عباده، بدأ القائد كلمته التي وجهها لرفاقه وأمته العربية بآية كريمة من القرآن الكريم تُدلل أن الإيمان بالله وبالقضية المحقة لا يمكن أن يؤدي إلا إلى النصر والهدى والرشاد. هذا هو حال القائد الرفيق المجاهد الذي أبى إلا أن يواجه أعتى جيوش الأرض وهو الجيش الأمريكي وحلفائه، وأحقر وأنذل عدو وهو الاحتلال الفارسي الصفوي، وان يشارك رفاقه وشعبه الجهاد والمقاومة ضد المحتل الغاصب. لقد تناول الرفيق المجاهد في خطابه بمناسبة ميلاد حزب البعث العربي الاشتراكي العديد من المحاور المهمة والقضايا المحورية، في خضم الأحداث المتلاحقة التي تعيشها أمتنا العربية، ووجه رسائل مهمة إلى الداخل والخارج، موضحاً وبشفافية مطلقة موقف الحزب التنظيمي والسياسي داخلياً وعربياً ودولياً. لقد أكد الرفيق القائد في خطابه موقف الحزب الثابت والمبدئي من أشقائه العرب، وأن الأمة العربية هي كلٌّ لا يتجزأ، وأن معاناة قطر من أقطارها يجب أن يقابله وقوفاً وتكاتفاً وتعاضداً وتآزراً من بقية الأقطار. فما يعانيه العراق من احتلال صفوي غاشم، أرسى دعائم حكمٍ يأتمر بأمر "الولي الفقيه" ويقتل أبناء العراق حسب مناطقيتهم ومذهبهم، ويعتقل ويخطف دون رحمة أو شفقة، إن هذا الحكم هو دلالة واضحة المعالم على أن العراق بات منسلخاً عن محيطه العربي، وهو ما تسعى إليه إيران الفارسية حتى يتسنى لها العبث فيه ديموغرافياً كيفما شاءت. لقد كانت المقاومة العراقية رداً طبيعياً في كل أعراف وقوانين العالم الأرضية والسماوية، وأن العراق الذي تعرض لغزو غاشم أدى إلى احتلال أرضه من طرف القوات ألأمريكية وحلفاؤها الذين انسحبوا مرغمين تحت ضربات المقاومة الباسلة التي تمثلت بالبعث والجيش العراقي الوطني وبعض القوى الإسلامية الشريفة، ولكن الغرب الخبيث المخادع سلم العراق للعدو التقليدي للأمة وهو إيران الصفوية، التي وجدت في ذلك فرصتها الكبرى للانتقام من الأمة العربية ومن البعث ومن العراق الذي أذاقهم الذل في القادسية الثانية. ولأن المقاومة العراقية تمثل النبراس الذي يهتدي به العراقيون والعرب للتخلص من الاحتلال الفارسي، كان على العرب أن يقدموا الدعم بكل أنواعه لهذه المقاومة ممثلة بالبعث، بدلاً من تقديم الدعم لحكومة الاحتلال أو لبعض الشخصيات التي جاءت على ظهر الدبابة الأمريكية. إن الحل الوحيد الذي قدمه الرفيق القائد لقادة الأمة وحكامها لمواجهة إيران والتخلص من نفوذها وردها على أعقابها هو في دعم المقاومة العراقية ممثلة بالبعث العظيم الذي أثبت خلال سنوات الاحتلال الطويلة أنه القادر على إلحاق الهزيمة بالفرس وأذنابهم إذا توفر له الدعم المادي والمعنوي من القادة العرب، وتقديم كل مقومات الصمود والثبات والاستمرارية حتى طرد المحتل الفارسي من أرض العراق وطرد أذنابه وميليشياته التي لا يمكن لها الثبات والصمود أمام مقاومة البعث لولا الدعم الهائل الذي تتلقاه من عاصمة الكفر ومن الولي الفقيه. إن التبعية للغرب والرضوخ للإملاءات الأمريكية هي التي تمنع الأنظمة العربية عن تقديم العون والمساعدة للمقاومة وللبعث، لأن اندحار وهزيمة المشروع الإيراني في العراق يعني اندحار وهزيمة المشروع الإيراني في المنطقة العربية كلها، وهو بالتالي هزيمة للمشروع الأمريكي الصهيوني الذي يسعى لتفتيت الأمة وشرذمتها حتى يتمكن وبسهولة من السيطرة على كل مقدراتها وثرواتها العظيمة. إن منع الماء والدواء عن المقاومة والإحجام عن دعمها مادياً ومعنوياً سيؤدي إلى إطالة أمد الاحتلال ما يؤدي إلى إطالة أمد معاناة الشعب العربي وليس العراقي فقط لأن هزيمة إيران في العراق هي هزيمة لها في اليمن وسوريا ولبنان. لا ينكر أحد أن بعض الأنظمة العربية ما زالت تعمل جاهدة منذ ثلاثين عاماً ضد البعث، وتسعى بكل ما أوتيت من قدرة أن تزيد من معاناة العراق، لأن العراق "احتل أرضه" أو تسبب في معاناة قصيرة الأجل لارتكابه خطاً استراتيجياً. لقد أوضح الأمين العام الرفيق القائد ( أن احتلال الكويت يمثل خطئاً مبدئياً واستراتيجياً وأخلاقياً ) هذا الاعتراف بالخطأ يمثل قمة الفضيلة، وهذا الاعتراف بالخطأ يستند إلى فكر وقيم ومبادئ حزب البعث العربي الاشتراكي التي تحرم استخدام السلاح في سبيل تحقيق الوحدة، وأن فكر البعث يعتبر الوطن العربي واحداً وأن الشعب العربي واحداً وهو الذي يقرر مصيره. إن اتخاذ البعث عدواً من هذه الدولة أو تلك، أو المساهمة في اجتثاثه أو محاولة تشويهه من خلال إعلامها المرتهن للخارج ليس في مصلحة الأمة العربية، لأن البعث بما يمثل من قيم ومبادئ هو السد المنيع في وجه الأطماع الفارسية والصهيونية، وسيبقى هو الحصن الحصين إذا تعرضت هذه الدولة أو تلك لأي اعتداء يمس سيادتها واستقلالها. إن البعث هو الصورة المصغرة عن الأمة، ولأن محاولة القضاء على الأمة مستحيلة كذلك فإن محاولة القضاء على البعث مستحيلة أيضاً، فقد حاولوا خلال الستة عشر عاماً الماضية ولم يفلحوا بل ازداد ثباتاً ورسوخاً في وجدان الأمة العربية من المحيط إلى الخليج. لقد قدم البعث من خلال أمينه العام رسالة واضحة المعالم للأمة العربية شعوباً وحكاماً أن بقاء الأمة ونهضتها لا تكون بالركون والانصياع للخارج، بل إن الاعتماد على الشعب الذي هو مصدر القوة الوحيد هو السبيل في البقاء والنهضة والتقدم، ولا يمكن مقاومة المشاريع الفارسية والإمبريالية والصهيونية إلا بتقديم المساعدة والعون للمقاومة حتى تتمكن من مواجهة المشاريع الاستعمارية التي تستهدف كينونة ومصير الأمة.