لا يمكن لأية تجربة ثورية فتية في بيئة ومجتمع يعاني من مشاكل جدية وواسعة وعميقة أن تنطلق في انجاز مهام التغيير الثوري دون أن تتلكأ وتتعثر وتخطئ، إن الأخطاء المصاحبة للتغيير الثوري هي جزء من العمل الثوري ذاته لا تنفصل عنه، لأن الثورة عمل بشري لا يمكن أن يتسم بالكمال، إن المثالية التي يحوم حولها البعض ليجعلوا منها سمة من سمات الثورة ليست سوى مفتاح من مفاتيح الردة والتآمر ومسك لمفاتيحها التي تقتضيها مهام اسقاط الثورة. إن الأخطاء التي تقع بها الثورة وأدواتها تفرض في جوانب منها قسرياً من ردود الفعل الطبيعية للمجتمع المتخلف الذي يصعب عليه تقبل التغيير الثوري، أو تمثله وتقبله فيحصل تصادم طبيعي جداً بل وضروري لإحداث الهزة المطلوبة في الحالة المعنية الراكدة أو المتخشبة، الخطأ هنا وبهذه المعاني يحسب من قبل البعض دون إدراك علمي ولا موضوعي لحيثيات التصادم، الذي يعرف علمياً بالتصادم المنتج أو المثمر ويستثمر على الأعم الأغلب من قبل قوى الردة والتآمر. وتتعدد الأخطاء وتتسع احتمالاتها كلما اتسعت دوائر التصدي الثوري، لمختلف قطاعات ومسارات الحياة، فالفلاحون يمكن أن يتعارضوا مع مكونات إصلاح الأرض وإدخال التقنيات الحديثة في الزراعة، والقطاع العمالي يمكن أن تحصل فيه هزات عنيفة حين تترادف خطط البناء الاشتراكي مع سَوانِدٍ من القطاع الخاص والمختلط، والتعليم بكل مراحله يمكن أن يواجه هزات عنيفة حين تضخ له الثورة كوادر جديدة ومقررات ومناهج جديدة، والمؤسسة العسكرية والأمنية هي الأخرى يمكن أن تقابل صعوبات ومحن في أطر تثويرها وتحويلها إلى تشكيلات وطنية وقومية عقائدية وتتعدد أسلحتها نوعاً وكماً وحداثة. وتواجه الثورة احتمالات الأخطاء الميدانية في عمليات نقل الاقتصاد من صيغه المبعثرة المتهالكة إلى صيغ ممنهجة علمية اشتراكية، وكذا الحال، بل وبدرجات أكثر خطورة وتعقيداً، تحصل الأخطاء عند الخوض في تجارب التعددية السياسية والشراكة الائتلافية، وما شاكل ذاك حيث تبرز هنا إشكاليات نفاذ العقليات السياسية والعقائد التابعة للخارج من جهة، وتلك التي سقطت في أتون الأيديولوجيات الجزئية ولم تجد لنفسها طريقاً للنمو والشعبية غير التستر بمقدسات الناس الدينية والمذهبية. نعم أخطأنا هنا وهناك .. ومن بين ما أخطأنا به هو توسيع مهمات الحزب لتعبر إلى مهمات رسمية للدولة وأجهزتها، وهو خطأ أملته الظروف التي واجهت الثورة. نعم أخطأنا في توسيع قبول انتماء مفتوح للحزب جماهيرياً، وهذا خطأ بحق أنفسنا وليس بحق شعبنا. نعم أخطأنا هنا وهناك، ونحن نبني ونعمر ونحول العراق إلى دولة متقدمة، وكان لنجاحنا في مهماتنا الثورية ثمناً لا بد من وقوعه ألا وهو أخطاؤنا الميدانية الناتجة عن سعة ما تصدينا له من بناء عملاق ... لكننا ... لم نغلط قط بقصد متعمد.