استبشرت جماهير الشعب والأمة بقيام ثورة الثامن من شباط عام 1963، وذلك لنجاحها بتقويض الحكم الفردي الديكتاتوري وإعادة الوجه العربي للعراق الذي غيبته الزمرة الشعوبية الحاقدة. لكن سرعان ما انقضت قوى الثورة المضادة على سلطة البعث القومية الوحدوية بانقلاب عسكري غادر في الثامن عشر من تشرين الثاني عام 1963 لتبدأ عملية التراجع عن منجزات ثورة شباط بالنكوص عن ميثاق الوحدة الاتحادية والخطوات الوحدوية المشتركة مع القطر السوري؛ وتبني التنظيم السياسي الواحد كبديل عن حرية التنظيم الحزبي والنقابي والتعددية السياسية، وحرمان الجماهير من المشاركة السياسية بتكريس الحكم الفردي الديكتاتوري. لقد قاوم الحزب وجماهيره الردة التشرينية منذ يومها الأول وبدأت القيادة عملية الإعداد والتخطيط لاسقاط الحكم التشريني، ولكن السلطات التشرينية تمكنت من اكتشاف محاولة البعث الثورية الجريئة فشنت منذ ليلة الرابع - الخامس من أيلول عام 1964 حملةً ارهابية شعواء ضد الحزب وجماهيره وكل من له صلة بالحزب أو تشتبه أجهزة السلطة بكونه بعثياً. إن افتقار النظام الحاكم للمساندة الشعبية وازدياد التناقضات داخل صفوفه التي وصلت إلى حد الصراع المسلح بين أقطابه أدت إلى تراخي العجلة التنموية في البلاد، كما جعلته بعيداً عن آمال وتطلعات الجماهير. لقد ساد الضعف والفوضى داخل مؤسسات الدولة وانتشرت شبكات التجسس الدولية في القطر في ظل تحول مهمة الأجهزة الأمنية إلى قمع القوى السياسية المعارضة للديكتاتورية الفردية وانحرافها عن واجباتها الأصلية، وما هروب الطيار الخائن منير روفا بطائرته الحربية إلى الكيان الصهيوني إلا دليل على ذلك. لم يكن هنالك مفر من عملية التغيير، نظراً لعجز النظام عن إصلاح نفسه وتشبثه بالديكتاتورية العسكرية ورفضه للتعددية السياسية؛ وتخاذله عن مؤازرة الأقطار العربية المواجهة للعدو الصهيوني قبل هزيمة الأنظمة العربية في نكسة الخامس من حزيران عام 1967 وبعدها. لقد وضعت قيادة البعث خطة الثورة واستنفرت الجهاز الحزبي استعداداً ليوم الحسم الثوري، وفي السابع عشر من تموز عام 1968 انبثق فجر جديد في تاريخ العراق والأمة؛ حيث تدفق كوادر البعث المدنيين قبل العسكريين على مداخل الطرق الرئيسية وسيطروا على دوائر الدولة الحيوية ومؤسساتها الرسمية ليعلنوا سقوط حكم الردة التشرينية واقصاء رئيس الجمهورية عبد الرحمن عارف ورئيس الوزراء طاهر يحيى من مناصبهما واقالة الحكومة وعودة السلطة للحزب بثورة بيضاء لا مثيل لها في العالم. وقد باشرت قيادة الحزب على الفور في الإعداد لانتفاضة بيضاء تخلص الثورة من بقايا العهد البائد التي تسللت إليها عشية يوم التنفيذ، فكان بيان مجلس قيادة الثورة في الثلاثين من تموز عام 1968 بتجريد عبد الرزاق النايف وابراهيم عبد الرحمن الداود من مناصبهما دلالة على اكتمال الثورة وتحرر السلطة السياسية من قوى الثورة المضادة المشبوهة. لقد حققت ثورة السابع عشر - الثلاثين من تموز العديد من المنجزات العملاقة التي قفزت بالعراق سياسياً واقتصادياً وعسكرياً، كتأميم النفط وحل القضية الكردية وتصفية شبكات التجسس واعلان الجبهة الوطنية والقومية التقدمية وضمان حرية التنظيم السياسي والنقابي والمهني وتطوير الجيش وتسليحه وعمليات الانتاج والتصنيع؛ وتشييد الطرق والجسور والمباني والمصانع والمدارس والجامعات والمعاهد والمعالم الخالدة، واصدار قوانين العمل والاصلاح الزراعي ومجانية التعليم ومكافحة الأمية والحكم الذاتي؛ والتشريعات التي تخدم الكادحين وتشجع التجارة الداخلية والخارجية وتحفظ حقوق المواطنين والمقيمين في القطر. كما دعمت سلطة البعث الثورية التقدمية المقاومة الفلسطينية وحركات التحرر في الوطن العربي والعالم بالمال والسلاح، ولم تبخل على الأقطار العربية بشتى أنواع المساندة السياسية والاقتصادية والعسكرية. يحسب لثورة البعث العظيمة أنها وضعت العراق على طريق الديمقراطية لأول مرة في تاريخه الحديث، وذلك باجراء انتخابات المجلس الوطني وانتخابات مجالس الشعب المحلية والاستفتاء الشعبي الحر على موقع رئاسة الجمهورية. إن تخلي الرفيق الأب القائد أحمد حسن البكر عن الموقع الأول في قيادة الدولة لظروفه الصحية وتسليمه الراية للرفيق الشهيد القائد صدام حسين الذي انتخبه مجلس قيادة الثورة خلفاً له في السادس عشر من تموز عام 1979 هي الحالة الوحيدة لانتقال السلطة سلمياً وبشكل ديمقراطي في تاريخ العراق المعاصر. لقد صمدت ثورة السابع عشر - الثلاثين من تموز في وجه العدوان الإيراني والصهيوني والثلاثيني الغاشم وحققت النصر المبين لجماهير الشعب والأمة، وتحدت الحصار الدولي الجائر ودحرت المؤامرات المسلحة الرامية لاسقاط الحكم الوطني أو التي لم تكن قد دخلت حيز التنفيذ. جن جنون الغرب الاستعماري والإدارة الأمريكية لفشل محاولات عملائهم العديدة لاسقاط النظام الوطني واستبداله بحكم خانع ذليل، فقاموا بغزو العراق واحتلاله في التاسع من نيسان عام 2003 وتسليمه لقمةً سائغة لإيران التي هيمنت عليه ونهبت ثرواته بمعونة عملائها الذين ارتكبوا أبشع الجرائم بحق الشعب وعاثوا خراباً في البلاد. ويواصل شعب العراق المجاهد وفي مقدمته أبطال البعث الميامين كفاحه الملحمي ضد الاحتلال الإيراني وعملائه، مسترشداً بتراث ثورة 17-30 تموز المجيدة. تحية فخر وولاء للرفيق الأب القائد أحمد حسن البكر والرفيق الشهيد القائد صدام حسين والرفيق القائد المناضل عزة إبراهيم. تحية اعتزاز ووفاء لثوار السابع عشر - الثلاثين من تموز الأشاوس. المجد والخلود لشهداء البعث البواسل وكل شهداء العراق والأمة.