شبكة ذي قار
عاجل










اختبرت الأمة العربية كل البدائل التي وُضعت عن تيار العروبة ونهجه، فما كانت إلا انقلاباً فعلياً على نهج العروبة، وزادت المنطقة العربية تشرذماً وانعزاليةً. النهج الانغلاقي والتقوقع والانعزال لم يكن هو البديل الوحيد الذي ساد عقب خروج مصر وانفرادها في "السلام مع الكيان الصهيوني"، بل ساد في المنطقة العربية بدائل أخرى أكثر قتامة وسواداً، يتصف بعضها بالدين والطائفية، التي تتجذر في المنطقة العربية دون تحريض سياسي فعال، والآخر كان نتاج تحريض مفتعل وطبيعي لمرحلة من الحروب الطويلة التي خاضتها المنطقة مع الكيان الصهيوني وتداعياتها على الأمة. في ظل غياب نهج العروبة ترسخت مفاهيم ومعتقدات تقوم على مصطلحاتٍ وافدة، لا تتصل بالأمة، كمصطلحات "الوطن أولاً"، و"الإسلام هو الحل"، و"حقوق الطائفة"... لتشكل بينها صورة مُنَفِّرة لحال المنطقة العربية بعد التغاضي عن "الهوية العربية"، واستبدالها بمصطلحات طائفية ودينية وإقليمية وذاتية ضيقة. في ظل الغياب " الغير مبرر" للهوية العربية تعيش الأمة حالة تشظّ لم تشهدها في تاريخها، فبعض البلدان تعيش في ظل تدويل أزماتها كما نشهده في ليبيا وسوريا والسودان، وغيرها مهددة بأزمات داخلية قد تؤدي إلى القضاء على وحدة الأوطان وتنذر بتقسيمها وتؤجج الحروب الأهلية. هذا المزيج الغريب الكريه على الأرض العربية من مشاريع تدويل إلى مخاطر تقسيم وحروب أهلية، يعيش وسط عواصف عاتية تهب من الشرق ومن الغرب الدولي، ومن صميم الأمة "فلسطين" حيث المشروع الصهيوني العالمي. لقد جربت الأمة العربية بديلاً سيءَ الصيت لمرحلة "العروبة"، هو عصر التطرف والعنف والجهل في الدين وتجاهل الحقائق والوقائع لما يحدث على أرض الأمة وبين شعوبها. هذا البديل رفض الهويّة العربية المشتركة، بل ورفض أحياناً كثيرةً الهويّة الوطنية، أراد وَصْمَ شعوب هذه الأمَّة بتصنيفات تقسيمية للدين وللعروبة وللأوطان. عصر التطرف والعنف والجهل في الدين أراد إقناع أبناء الأمة العربية أن مستقبلهم لا يكون إلا في ضمان "حقوقهم" الطائفية والمذهبية، وفي الولاء لهذه المرجعية الدينية أو تلك، ولم يَعُوا أن هذه الطريق الانقسامية هي تفتيت للأمة، وجعلها ساحة حربٍ لقوى دولية وإقليمية تتنافس وتتصارع لضمان تحكمها بالأرض العربية وبثرواتها. هذه الصورة التشاؤمية لا يوافقني عليها أكثرية عربية، ولا يؤيدون هذا الطرح التفتيتي، ولا يريدون الوصول لأي من نتائجه الكارثية، ولكن هذه الأكثرية الصامتة إلى حد ما تفتقد الجرأة والمنبر الإعلامي والإمكانات المادية، فيبقى الصوت "مبحوحاً" لا يصل إلى سامعيه، وسط ضجيج منابر الطائفيين والمذهبيين والمتطرفين الذين أكثر قدرة للوصول إلى الناس. إن الأمة العربية تحصد ثمار زرعٍ هجين جرى في العقود الأخيرة، حيث استغلت أطراف خارجية " إقليمية ودولية" إضافة لأطرف محلية السلبيات التي حدثت من خلال بعض ممارسات الحركة القومية العربية، ولكن على الرغم من ذلك فقد أثبتت العقود الماضية أيضاً أن البديل الذي يحمل التسميات الدينية لم يفتح أفقاً واحداً في الهوية أو الانتماء، وإنما ساهم في تقزيم وتراجع الواقع العربي إلى "كانتونات" ضمن كل بلد عربي، فأصبحت الهوية الدينية التي نادوا بها هي هوية دينية في مواجهة الآخر في الوطن طائفياً ومذهبياً وسياسياً. إن فشل البديل الديني في توحيد الأمة لم يكن هو الفشل الوحيد، فقد فشل البديل الوطني أيضاً عن بناء مجتمع يكون الولاء للوطن هو الأولوية، إن بناء مجتمع عربي سليم في غياب الهوية العربية هو أمر لا يمكن تحقيقه. إننا نحتاج إعادة الاعتبار لمفهوم العروبة على مستوى الأمة، لأنه الضمان الوحيد لاستمرارية أي صيغة من صيغ التعاون العربي المشترك، فبذلك تكون العروبة هي الحل الوحيد لأزمة البلدان العربية فيما بينها، وتكون أيضاً سياجاً ثقافياً واجتماعياً يحمي الأطر الوطنية في الأمة ويساهم في مواجهة مخاطر الانفجار.




الخميس١٦ Ðæ ÇáÞÚÜÜÏÉ ١٤٤٠ ۞۞۞ ١٨ / ÊãÜÜæÒ / ٢٠١٩


أفضل المقالات اليومية
المقال السابق ناصر عبد المجيد الحريري طباعة المقال أحدث المقالات دليل المواقع تحميل المقال مراسلة الكاتب
أحدث المقالات المضافة
فؤاد الحاج - العالم يعيد هيكلة نفسه وتتغير توازناته فيما العرب تائهين بين الشرق والغرب
ميلاد عمر المزوغي - العراق والسير في ركب التطبيع
فؤاد الحاج - إلى متى سيبقى لبنان ومعه المنطقة في مهب الريح!
زامل عبد - سؤال مهم، هل المشتركات الايديولوجية بين جماعة الاخوان والصفويين الجدد انعكست في مظلومية غزة الصابرة المحتسبة لله؟- الحلقة الاخيرة
زامل عبد - سؤال مهم، هل المشتركات الايديولوجية بين جماعة الاخوان والصفويين الجدد انعكست في مظلومية غزة الصابرة المحتسبة لله؟ - الحلقة السادسة
مجلس عشائر العراق العربية في جنوب العراق - ãÌáÓ ÚÔÇÆÑ ÇáÚÑÇÞ ÇáÚÑÈíÉ Ýí ÌäæÈ ÇáÚÑÇÞ íåäÆ ÇáÔÚÈ ÇáÚÑÇÞí æÇáãÓáãíä ßÇÝÉ ÈãäÇÓÈÉ ÚíÏ ÇáÇÖÍì ÇáãÈÇÑß ÚÇã ١٤٤٥ åÌÑíÉ
مكتب الثقافة والإعلام القومي - برقية تهنئة إلى الرفيق المناضِل علي الرّيح السَنهوري الأمين العام المساعد و الرفاق أعضاء القيادة القومية
أ.د. مؤيد المحمودي - هل يعقل أن الطريق إلى فلسطين لا بد أن يمر من خلال مطاعم كنتاكي في بغداد؟!
زامل عبد - سؤال مهم، هل المشتركات الايديولوجية بين جماعة الاخوان والصفويين الجدد انعكست في مظلومية غزة الصابرة المحتسبة لله؟ الحلقة الخامسة
د. أبا الحكم - مرة أخرى وأخرى.. متى تنتهي كارثة الكهرباء في العراق؟!
زامل عبد - سؤال مهم، هل المشتركات الايديولوجية بين جماعة الإخوان والصفويين الجدد انعكست في مظلومية غزة الصابرة المحتسبة لله؟ ] - الحلقة الرابعة
القيادة العامة للقوات المسلحة - نعي الفريق الركن طالع خليل أرحيم الدوري
مكتب الثقافة والإعلام القومي - المنصة الشبابية / حرب المصطلحات التفتيتية للهوية العربية والقضية الفلسطينية ( الجزء السادس ) مصطلحات جغرافية وأخرى مشبوهة
الناطق الرسمي باسم حزب البعث العربي الاشتراكي - تصريح الناطق الرسمي باسم القيادة القومية لحزب البعث العربي الاشتراكي حول مزاعم ومغالطات خضير المرشدي في مقابلاته على اليوتيوب ( الرد الكامل )
مكتب الثقافة والإعلام القومي - مكتب الثقافة والإعلام القومي ينعي الرفيق المناضل المهندس سعيد المهدي سعيد، عضو قيادة تنظيمات إقليم كردفان