انتمي الى جيل تفتح وعيه على إشكاليات متفجرة في الإجتماع والسياسة فقدر له أو عليه أن ينتمي سياسياً ، وما كانت مروحة الخيارات واسعة ؛ فالتيارات السياسية الفاعلة والنشيطة تتوزع في اتجاهين عروبي إشتراكي ويساري ماركسي ، وما سوى ذلك "إنعزاليون " و "برجوازيون" و "إقطاع سياسي " بمصطلحات ذلك العصر الذي لا يعرف المرونة في التفسير وإطلاق الأحكام. كنت على ابواب المرحلة الثانوية في الدراسة مع بعض اصدقائي المقربين حين افترقنا في خياراتنا السياسية ، وكان غريباً وجميلاً في آن الحضور الأسبوعي لذلك المثقف "الماروني" الآتي الينا من قرية مجاورة كانت بؤرة للفكر العروبي المتنور الذي زرع بذوره الأستاذ ملحم المعلوف ليتابع تلامذته النجباء نشره والتبشير به على قاعدة "برودة العقل ولهيب الإيمان" التي ارساها أبرز مفكري العروبة بمعناها النضالي ،وبمضمونها الإجتماعي الأستاذ ميشيل عفلق . وكان التبشير بهذه الفكرة يقتضي الالتزام بعقد حلقات اسبوعية التزاما يقارب حد القداسة . كنا قد قطعنا شوطأ لا باس به على طريق الإلتزام الذي لا يتناسب بمقاييس اليوم مع اعمارنا حين آل امر متابعتنا الى الأستاذ أحمد سلمان ، فباتت جلساتنا الأسبوعية تعقد في تلك الغرفة ذات الأرض الترابية المحاذية لغرفة اخرى كانت بيت والديه الفخورين به والمرحبين بضيوفه اليافعين ، وكانت ابتسامتهم تدل على معرفتهم بما يجري في الغرفة المجاورة والترحيب به . كان الأستاذ احمد أو الرفيق ابوسهاد مدرسة من القيم لذلك اجتمعت فيه كل الصفات التي تجعل منه القدوة التي يحتاجها الشباب في مرحلة المراهقة بشكل خاص ،وبعد عمر طويل قضيناه معاً لدى ما يكفي من مواقفه التي عاينتها للقول إنه القيم متجسدة في رجل. معه تعرف معنى الوفاء ، الوفاء للأوفياء ، أما الاخرون بعد تكرار التجربة معهم واستنفاذ الفرص في التأثير الإيجابي فيهم فالإعراض عنهم يصبح واجباً . أما الشجاعة فهي المعدن الأصلي الذي يؤسس للرجولة والثبات على الموقف ، خاصة في المواقف الصعبة ، وقد كانت حياته سيرة لهذا النوع من المواقف التي كلما زادت حدة وخطورة حفزت فيه الثبات على الموقف والجرأة في مواجهة التحديات وتحفيز المحيطين به على الإقتداء به . لقد كانت حياته التي لم تعرف الإستقرارإلا في سنواته الاخيرة سيرة لهذا النوع من المواقف . ومعه حيث لا يمكن الفصل بين القول والعمل تعرف المعنى الحقيقي للكرم ولجبر الخواطر حيث تتجلى اسمى معاني الإنسانية . كان الكتاب صنوه ، هديته المفضلة للمقربين ، ورفيقه الدائم ؛ يقرأ ويدون ويلخص وقد كان مشروعه في واحدة من المراحل الصعبة التي كانت تقتضي الابتعاد عن الظهور العلني تلخيص الكتب في الفكر والسياسة ،وتوزيع الملخصات لتعم الفائدة على عدد كبير من المحيطين به . كل من عرف ابا سهاد يعلم كم كانت العبارة عنده عميقة وممتلئة بالمعنى بفعل قراءاته الواسعة وشغفه باللغة العربية ،وكانت صفحة الوجدانيات التي يكتبها للصفحة الاخيرة من المنشورة الحزبية التجلي الابرز لصدق انتمائه حيث تخرج المعاني من اعماق الوجدان وتصاغ بالعبارات الأكثر اناقة وشفافية ودقة في الصياغة . في اوراقه ودفاتره الكثير من النصوص المتميزة التي تستحق النشر ولعلنا نجد الطريق الى ذلك في وقت قريب . طوى أبو سهاد صفحة العمر وغادرنا يوم الخميس في الرابع من تموز بعد صراع طويل مع المرض لم يجعله يضعف او ينحني حتى اليوم الاخير ،وقد تقاطر الأهل والاصدقاء والأحبة والرفاق لوداعه في النادي الحسيني لبلدته شمسطار حيث تقبلت العائلة التعازي بمشاركة الرفيق امين سر القطر ونائبه وامين سر فرع البقاع ، وقد عبرت كلمة العائلة عن صفات الفقيد الشخصية وانتمائه العروبي وعن شكرها وامتنانها لهذه المشاركة قبل ان يوارى جثمانه الطاهر في الثرى حيث وضع الرفاق إكليلين من الورود باسم القيادة القطرية وقيادة فرع البقاع تكريما لتاريخه المجيد وسيرته العطرة .