الواجب يقتضي عند معالجة ظاهرة الطائفية أن يتم التمييز بين المذهب كاجتهاد في الدين، لا نرى فيه ضيراً ولا ضرراً، بل على العكس فهو طريق جدل علمي وابداع واجتهاد عقلي إيجابي، وبين الطائفية التي نحاربها ونعاديها ونرفضها اسماً وتعريفاً ونتائج، والتي هي في حقيقتها مناهج سياسية تخدع الناس، بكونها ممثلة للمذهب لغرض توظيفهم في تحقيق أهداف شريرة مجرمة، فالجريمة الأولى للطائفية هي جريمة ضد الدين وضد المذهب، لأنها منهج رياء وزيف واستخدام مضلل، هدفه تحشيد الناس باسم الدين أو المذهب لتحقيق أغراض لا علاقة لها لا بالدين ولا بالمذهب. المذهبية السياسية تشغل الدين والمذهب في غير وظائفه الربانية، وتغسل أدمغة الحشد البشري الذي تنجح في تشكيله وتوظفه في صراع مع المذاهب الأخرى، هذا هو الواجب الأول الذي تتبناه العقائد الطائفية المسيسة: خلق وتأجيج العصبيات المبنية على نظرية ( نحن الاصل / نحن الأقرب إلى الدين / نحن الأصح / نحن الفرقة الفائزة )، ومن هنا تتشكل معالم وسائل وطرق التفتيت المدمر للنسيج الاجتماعي للشعب الواحد، الذي يعيش بهوية وطنية تتعدد تحت خيمتها الأديان والمذاهب والقبائل والأعراق، إذن المذهبية السياسية تلغي التسامح الذي يميز روح وجوهر العقائد الربانية، وتشتت الوحدة الإنسانية التي قدستها كل أديان رب العالمين، وآخرها رسالة الختم الإسلامية السمحاء المباركة. الطامة الكبرى الأخرى في الطائفية السياسية التي بثتها إيران ووسعت من دوائر انتشارها في العراق وأجزاء واسعة من الوطن العربي، بعد غزو العراق هي أنها تسقط الولاء الوطني لصالح ولاية الفقيه الفارسية، وبهذا تحقق احتلالاً فارسياً فريداً من نوعه، يمكن تشبيهه بالانتحار الوطني والقومي، لأنه يهجن بين الاحتلال السياسي الاقتصادي وبين الاحتلال أو التغييب أو إلغاء الهوية الوطنية في عقول من تطالهم هذه الجريمة، وسمته الأبرز أنه احتلال استيطاني. الطائفية هنا هي غزو فكري عقائدي يجعل الإنسان خاضعاً لسلطة مادية بشرية تمنح نفسها قدسية بلا سند ولا دليل عبر ربطها برموز مضوا منذ زمن بعيد. الطائفية السياسية مشروع تهديم للدول الوطنية والقومية المؤمنة بالعروبة، ومشروع حروب وفتن نعرف كيف ومن أين تبدأ، لكننا لا نعرف قطعاً كيف ومتى تصل إلى نهاياتها. إن إسقاط النظام الطائفي الكهنوتي لولاية الفقيه الفارسية يمثل البداية التي بدونها ستبقى الطائفية السياسية تذبح العرب دولا وشعب.