رغم السوداوية التي تخيم على الواقع العربي من جراء تداعيات الانكشاف القومي وتغول القوى المعادية للأمة إلى عمق غير مسبوق في العمق القومي، إلا أن ثمة مؤشرات تدلل على أن الأمة ما زالت تختزن في ذاتها طاقة نضالية تعبر عن نفسها بأشكال مختلفة وحيث تسنى تفجر هذه الطاقات .ومن بين هذه المؤشرات، انطلاق الحراك الشعبي في السودان والجزائرومآلاته ، والحملة الشعبية العربية ضد "صفقة القرن" ومؤتمر المنامة. لقد استطاع الحراك الشعبي في السودان أن يتحول إلى ثورة استطاعت أن تسقط حكم البشير، وهي ما تزال تناضل لإقامة نظام بديل يلبي الحاجة الشعبية في التغيير الوطني الديموقراطي، وهذه تجربة فذة في نضال واحدة من عقبات الحركة الشعبية العربية، كما أن ما وصل إليه الوضع في الجزائر وأن لم يرتق بأهميته إلى مستوى ما حصل في السودان ، إلا أن استمرار الشارع على زخمه لمحاسبة منظومات الفساد السياسي والمالي والاداري هو على قدر كبير من الأهمية خاصة وأن الساحتين حافظتا على سلمية حراكهما لم تنجرا إلى العسكرة رغم الضغوطات التي مورست عليهما وخاصة في السودان بعد إقدام قوى أمنية موتورة على فض الاعتصام بقوة الحديد والنار والذي أودى بحياة أكثر من مئة مواطن وجرح المئات. أما المؤشر الثاني ذو الدلالة النضالية فهو الحملة الشعبية العربية التي انطلقت تحت عنوان رفض "صفقة القرن" ومؤتمر المنامة. لقد شهدت العديد من الأقطار العربية تحركات شعبية تحت أشكال مختلفة، من المسيرات إلى الندوات والمؤتمرات وكلها تدعو إلى مقاومة هذه الصفقة كونها تشكل تصفية للقضية الفلسطينية. وما شهدته ساحات الأرض المحتلة ولبنان والأردن والمغرب وتونس من تحركات، إنما يدلل على إستعادة الشارع العربي لنبضه والذي يحاكي من خلاله القضايا القومية وخاصة قضية فلسطين. وإذا كانت التحركات لم تصل بحشدها الشعبي إلى مستوى ما كانت عليه قبل حصول الانكشاف القومي واحتلال العراق وتدمير البنية المجتمعية في سوريا ووقوع العديد من الساحات العربية تحت تأثير وضغط الأزمات البنيوية، إلا أن ما حصل هو مؤشر إيجابي. فالتحركات الشعبية ركزت على الأبعاد الخطيرة لما تنطوي عليه صفقة القرن كرؤية أميركية لحل ما يسمى بأزمة الشرق الأوسط، والتي تقوم بالأساس على إسقاط كل الحقوق الوطنية والفلسطينية والحقوق القومية، والانطلاق إلى فرض حل يحاكي مصلحة الكيان الصهيوني أولاً وأخيراً. وإذا اختيرت البحرين لعقد مؤتمر اقتصادي تحت عنوان "ورشة السلام من أجل الازدهار"، فكي تبين أميركا وكراعية للمشروع بإطاره السياسي ومضمونه الاقتصادي إنما يحظى بتأييد عربي ودليله انعقاد المؤتمر على أرض عربية، والهدف منه دفع التطبيع مع العدو خطوات إلى الامام. إن المواقف الاعتراضية التي سجلت على مؤتمر المنامة بتعبيراتها السياسية والشعبية، هي حجر رمي في مياه راكده، فاعاد تحريكها من جديد لتبدأ عملية تفاعيل جديدة مع هذا الموقف الاعتراضي، والذي يجب أن يجد صداه أولاً في ساحة فلسطين عبر الاستفادة من الرفض الفلسطيني الشامل لمؤتمر المنامة وصفقة القرن، إلى تأسيس واقع سياسي جديد يرتكز على وحدة وطنية وعلى قاعدة برنامج مقاوم تتأطر حوله كافة القوى السياسية عبر إعادة تموضعها السياسي والتنظيمي ضمن إطار منظمة التحرير كممثلة شرعية لشعب فلسطين ولقطع الطريق على سماسرة المال والسياسية الذين يقدمون أنفسهم أو يستحضرون للمؤتمرات باعتبارهم يمثلون شعب فلسطين وهم لا يمثلون إلا أنفسهم. إن الرفض الوطني الفلسطيني من كافة الطيف السياسي والرفض الشعبي العربي وإن لم يحل دون عقد مؤتمر المنامة إلا أنه بإمكانه أن يسقط نتائجه من خلال توسيع مروحة قوى الاعتراض الشعبي والسياسي عليه، وهذا ما يجب أن بشكل عنواناً للنضال العربي ضد كافة المشاريع التي تستهدف قضية فلسطين وأخرها مشروع صفقة القرن وكل المؤتمرات ذات الصلة ومنها مؤتمر المنامة فلنعمل لإسقاط نتائج مؤتمر المنامة مقدمة لإسقاط صفقة القرن .