شكرا للشعب الجزائري الذي خرج في انتفاضة الكرامة يوم 22 02 2019 ليعلن عن ثورة حقيقة لتحرر العقول الجامدة والحناجر الصامتة والأقلام الجافة عقود من الزمن وليعيد ثورة 54 الى مسارها الصحيح. فارتقى الوعي الجماهيري الى مستوى الذي كان ينبغي أن تكون عليه النخبة كطليعة تقود التغيير وتتحمل مسؤوليتها الأخلاقية والوطنية ونشر الوعي السياسي والحس الوطني وثقافة الرفض لكل ما هو سلبي الذي يمس جوانب الحياة . فالشعارات التي رفعتها الجماهير بمختلف أطيافها ومستوياتها كانت شعارات تنادي بالوحدة والحرية والعدالة . مطالب شاملة جوهرية واقعية ، غطت على كل الشعارات باسم الدين او باسم العرق أو باسم الجهوية . فالشعب الجزائري ثار ضد حكامه لا لكي لينتقم بل ثار ليضع حدا لعقود من سياسات لم ترقى إلى عظمة الشعب التي حاولت تقزيمه وتشويه صورته وجعله شعب يطأطئ رأسه أمام المفاسد من اجل لقمة العيش المهينة . نعم فالثورة كانت أهدافها واضحة نقية لا غبار عليها وهي ان الشعب الجزائري موحد يعلن ولائه للوطن وبالتالي فالوحدة خط أحمر لا يسمح بالتلاعب بها ، كما كانت الحرية أحد سمات الشعب الجزائري الذي دفع من أجلها ثمنا غاليا أثناء الثورة التحريرية المباركة ، فهو شعب لا يقبل العبودية والأبوية والتسلط كما يطالب بدولة العدل والمساواة وتوزيع الثروة بما يكفل العيش الكريم والصحة والتعليم والعمل لكل مواطن . كما يرفض الشعب الجزائري التدخل في شؤونه الداخلية أو الوصاية الأجنبية واقفا صامدا أمام كل محاولات تحريف ثورته أو التأثير عليها أو اختراقها . نحن كبعثيين في الجزائر ننحني إكبارا وإجلالا لهذا الشعب فنحن جزء من ثورته لأننا حزب ثوري يؤمن بأن التغيير لا يمكن أن يحدث بدونه فهو الذي يقرر مصيره بنفسه فنحن نستمد قوتنا من قوة الشعب لأننا نحمل نفس الشعارات ألا وهي الوحدة والحرية والاشتراكية كما نشترك معه في التهميش الذي مورس ضدنا من قبل الأنظمة العربية كما حرمنا من العمل السياسي في الجزائر . فالبعث خرج من رحم معاناة الأمة العربية بالتالي يعتمد في نضاله على الجماهير باعتبارها الوسيلة والغاية في نفس الوقت ، خلاف بعض الحركات السياسية سواء منها الدينية او التغريبية التي تسترزق من الأنظمة التي تستمد سلطتها من القوى الخارجية التي تحالفت معها لإبقاء السيطرة على مقدرات الشعب والهيمنة على ثرواته وإبقاء فلسطين تحت الاحتلال الصهيوني. فتحالف المال الفاسد والسياسات الانعزالية والدينية والوطنية المزيفة والأنظمة القطرية القمعية ، هي التي أوصلت الشعب العربي إلى حافة الفقر والحرمان والتهميش واستنزاف طاقاته البشرية ، مما فتح المجال للقوى الاستعمارية والدول الإقليمية لتنفيذ مشاريع الفتنة وتقسيم أبناء الشعب الواحد على أسس عرقية ودينية وهذا ما حدث في سوريا واليمن وليبيا مباشرة بعد احتلال العراق واغتيال الشهيد صدام حسين رحمه الله رئيس جمهورية العراق والأمين العام لحزب البعث العربي الاشتراكي الذي تحالفت ضده الأنظمة العربية العميلة كما وتآمرت على الراحل هواي بومدين وجمال عبد الناصر وتآمرت عل كل وطني مخلص. وهذه المشاريع تستهدف كذلك باقي الأقطار العربية الأخرى . ولكن الشعب الجزائري يفاجأ الجميع ليخرج بثورته ليعلن أن زمن الوصاية قد ولى وأن مرحلة الجماهير قد بدأت لتفتح عهدا جديدا للجماهير العربية لأن تتحرر من كل القيود التي تمنعها من الوحدة والتحرر وبناء أنظمة ديمقراطية يكون فيها العدل هو الفاصل بين الحق والباطل وبين الوطني والخائن . والبعث يؤكد مرة أخرى أن استقلال الجزائر وتطورها وقوتها لا يمكن ضمانه ألا في إطار مشروع بناء المغرب العربي الكبير الذي تحققه الجماهير كقوة إقليمية للتصدي لكل القوى الاستعمارية خاصة فرنسا التي تمنع أي عمل وحدوي والتقدم والرفاهية للشعب المغاربي الذي يمتلك كل المقومات لبناء اقتصاد قوي ومشروع ثقافي واجتماعي بما يتناسب والطاقة البشرية المؤهلة والهائلة وموقع استراتيجي وثروات لا تعد ولا تحصى . ان ثورة الشعب الجزائري يمكن ان تكون هي القاطرة التي تحدث ثورة فكرية واجتماعية وسياسية بما يتوافق مع قيمنا الحضارية . حان الوقت للتحرر من الهيمنة الأمريكية والاستعمار الغربي والصهيوني ومن الأفكار الانعزالية والعنصرية والدينية المتطرفة ليفتح المجال لكل طاقات الشعب لبناء مشروع وطني يضمن العيش الكريم للجميع بدون إقصاء وتهميش فالأرض واسعة وغنية تكفي الجميع ، إذا اتحد الساعد المفتول مع العقل النير .