تعتمد الشخصية الفارسية تاريخيا في التعامل مع الاخرين على ركيزة المخاتلة وطموحها للعب دور اكبر من حجمها في المسرح السياسي الدولي بتهويل قوة القومية الفارسية على الصعيدين التاريخي والاني ومن يقراء للشاعر فردوسي الذي تعتبر كتاباته مرجعية ثقافية للقومية الفارسية واسطورتها المدونة في كتابه الشاهنامة ، يجد نموذج للعنجهية الفارسية والازدراء بالامم الاخرى وهمأ بسلطانهم على ارمينيا واذربيجان وافغانستان في قادم الازمان ورسم شخصيات اسطورية قوية سطرت ملاحم بطولية مزعومة . إن كثرة هزائمهم التاريخية امام الامبراطوريات والعرب وكذلك الاوربيين في القرنيين الاخيرين جعلت من الفرس مكون معقد مخاتل مهزوم يجعل من الحقيقة اهانة له وكتب المؤرخ البريطاني أنطوني واين: ( اللغة الواضحة والمباشرة، تعتبر في إيران نقيصة أو حتى قلة تهذيب، ويتم التعبير عن الأمور بشكل موارب، لأن الإيرانيين يعتقدون أنه لا يجب قول الحقيقة إلا للحمير ) . لذا وجدوا في التقية موائمة لمنهجهم في السياسة الخارجية والداخلية على حد سواء وتنفسوا الصعداء في تطبيق هذه السياسية منذ العهد الصفوي 1501 م الذي يعد اهم مرحلة تاريخية للفرس لضمان استمرار وتجديد ثقافتهم الزرادشتية بلباس اوسع امميا وهو الاسلام . وتميزت المواقف الفارسية في المنعطفات التاريخية منذ وجود دولتهم بالمكر وقدرتهم على استخدام مواقف متناقضة في اي صراع يواجههم ، لم يتسنى لميكافيلي ان يمر بهذه العقلية ليمحص فلسفته لاضاف حينها فصلا في كتابه ( الامير ) . لم تنفصل المرحلة الحديثة الخمينية عام 1979 عن مراحل الدولة الفارسية في السياسة والتكوين والاستراتيجية التوسعية العدوانية المريضة بعد إن هيئت لها مشروع توسعي بغطاء ولاية الفقيه الذي يعتمد على شعار تصدير الثورة المتضمن السعي لهيمنة فارسية توسعية خارج نطاق الجغرافية الفارسية ( الايرانية ) بشعار طائفي وعقيدة منحرفة مغلفة بالدين الاسلامي . وبامر ولي الفقيه ( القائد ) تم تشكيل قوة مخابراتية وعسكرية وتعبوية اطلق عليها الحرس الثوري مهمتها حماية ما يسمى الثورة وتصديرها . ولقد حصن الدستور الايراني الجديد ولي الفقيه فجعلة القائد المطلق للدولة والمشرف المنفذ لمشاريع الثورة التوسعية وتصديرها ونورد ما ينص عليه الدستور الايراني بقداسة ولي الفقيه ( Constitution of Iran 1979 ) . المادة 5 من الدستور الايراني ( في زمن غيبة الإمام المهدي ( عجل الله تعالى فرجه ) تكون ولاية الأمر وإمامة الأمة في جمهورية إيران الإسلامية بيد الفقيه العادل، المتقي، البصير بأمور العصر، الشجاع القادر على الإدارة والتدبير وفقا للمادة 107من الدستور ) . وتكمن التفاصيل الشيطانية لسلطة ولي الفقيه. وفق دستورهم الذي حدد وظائفه الشمولية والدكتاتورية في المادة 110 من الدستور الايراني التي ضمنت له سلطة كهنوتية كقائد مطلق . المادة 110 تنص على وظائف القائد وصلاحياته : 1 - رسم السياسات العامة لنظام جمهورية إيران الإسلامية بعد التشاور مع مجمع تشخيص مصلحة النظام . 2 - الإشراف على حسن تنفيذ السياسات العامة للنظام. 3 - إصدار الأمر بالاستفتاء العام. 4 - القيادة العامة للقوات المسلحة . 5 - إعلان الحرب والسلام والنفير العام . 6 - تنصيب وعزل وقبول استقالة كل من: أ ) فقهاء مجلس صيانة الدستور. ب ) المسؤول الأعلى في السلطة القضائية. ج ) رئيس مؤسسة الإذاعة والتلفزيون في جمهورية إيران الإسلامية. د ) رئيس أركان القيادة المشتركة. ه ) القائد العام لقوات حرس الثورة الإسلامية. و ) القيادات العليا للقوات المسلحة وقوى الأمن الداخلي. 7 - حل الاختلافات بين أجنحة القوات المسلحة الثلاث وتنظيم العلاقات بينها. 8 - حل مشكلات النظام التي لا يمكن حلها بالطرق العادية من خلال مجمع تشخيص مصلحة النظام. 9 - توقيع مرسوم تنصيب رئيس الجمهورية بعد انتخابه من قبل الشعب. أما بالنسبة لصلاحية المرشحين لرئاسة الجمهورية من حيث الشروط المعينة في هذا الدستور بهذا الخصوص، فيجب أن تنال موافقة القيادة قبل تصويت مجلس صيانة الدستور، وفي حالة الولاية الأولى [للرئاسة]. 10 - عزل رئيس الجمهورية مع أخذ مصالح البلاد بعين الاعتبار، بعد صدور حكم المحكمة العليا بمخالفته لوظائفه الدستورية، أو بعد تصويت مجلس الشورى الإسلامي بعدم كفاءته السياسية وفقا 89 من الدستور. 11 - إصدار العفو أو تخفيف عقوبات المحكوم عليهم في إطار الموازين الإسلامية بناء على اقتراح من رئيس السلطة القضائية. ويستطيع القائد أن يوكل شخصا آخر بأداء بعض وظائفه وصلاحياته. إن السلطات المخولة لولي الفقيه تجعله حاكم كهنوتيا مطلقا تتناغم مع عقائد المجوس في هيمنة الدين على الحكم بطريقة مطلقة واعتبار الحاكم محفوفا بعناية إلاهية . وهذه الثقافة لا تمت الى الاسلام بصلة . يعتبر النظام الجمهوري نظاما عالميا معمول به ديمقراطيا يكون للجمهور دورا فاعلا فيه ان كان برلمانيا او رئاسيا وتحكم اغلب دول العالم على ضوءه ويشار اليه بمقدار من التحرر من العبودية للحاكم ، الا ان النظام الايراني جعل منصب رئيس الجمهوري صوريا وحصر القرارات المصيرية بيد ولي الفقيه بدءًا من تعيين رئيس الجمهورية و اعفائه وتمتد الى قرار اعلان الحرب واتفاقيات السلام والاعلام وتشكيل الحرس الثوري وتعيين القادة ولم يبقى لرئيس الجمهوري الا الطاعة وبهذا استطاع النظام الايراني ان يخلق حالة ارباك دولية في فهم السياسة الخارجية لايران وعبر الكثير من حلفاء ايران عن عدم فهمهم لغايات الفرس الا بعد حدوث الوقائع على الارض وذلك بسبب تعدد المواقف داخل المؤسسة الايرانية لولي الفقية ان يتخذ القرار بالاستعانة بالتقية والمخاتلة . ان حالة الارباك هذه تاتي من تناقض تصريحات المسؤولين الايرانيين في قضية معينة فالرئيس له موقف ويناقضه رئيس الحرس الثوري وكذا الحال لباقي المؤسسات الا ان الموقف الاخير يحدده ولي الفقيه بعد صمت مريب . وعلى ضوء ما تقدم يشكل الولي الفقيه جوهر السياسة الايرانية التوسعية ، لان هذه الولاية ليس لها حدود جغرافية وسطوتها عقائدية تمكنية زمانا ومكانا ، حيث يكون لها القوة تبسط نفوذها ، فان مستلزمات التمدد لولاية الفقية هي القوة المذهبية الطائفية التي تمتلث بالحرس الثوري الايراني و امتدادته في لبنان حزب الله وخلاياه المنتشرة في جميع دول الخليج العربي والمغرب العربي ومصر وكذلك الحوثيون في اليمن و المليشيات العراقية والمليشيات الافغانية والباكستانية التي شكلت منها ايران قوتها الضاربة في سوريا ومن هنا ينبع الخطر القادم من الشرق على الوطن العربي مسببا للاضطرابات السياسية في المنطقة . إن تغيير السلوك الايراني في المنطقة لا يتم عبر استهداف النظام التوسعي عسكريا او اقتصاديا فحسب بل من خلال المطالبة العلنية واشتراط دولي في انهاء نظام ولاية الفقية والغاء موقع المرشد الاعلى لما يمثله من تهديد دائم لدول المنطقة حتى تصبح ايران دولة طبيعية يمكن مناقشة كافة الملفات العالقة معها والتي سببتها مركزية ولاية الفقيه في النظام الايراني منذ عام 1979 . وتقع على عاتق سياسي وحكومات المنطقة مسؤولية التصدي لثقافة ولاية الفقيه التي تحكم ايران ونزعتها التوسعية . فان اسقاط ولاية الفقيه تعني اسقاط كل المليشيات في المنطقة شعبيا وحرمان ايران من حاضنة لافكارها التوسعية في المنطقة .