تعتبر السيادة مظهراً من مظاهر الدولة وأحد أركانها الثلاثة، فلا دولة بلا وطن وشعب وسيادة. وبفقدان أحد هذه الأركان الثلاثة تنتفي صفة الدولة عن البقعة الجغرافية المعنية، ولا يعتد ببقية مظاهر الدولة الموجودة لديها؛ لأنها تفقد قيمتها وتضمحل تدريجياً حتى تتلاشى نهائياً. لقد فقد العراق سيادته على أراضيه بعد الاحتلال الأمريكي لبغداد في التاسع من نيسان سنة 2003، ومن ثم قامت الإدارة الأمريكية بتسليم العراق لقمة سائغة لإيران وأطلقت يديها لتعيث خراباً في القطر بمعونة حفنة من الخونة والعملاء. وللتعتيم على هذه الحقيقة، يتم إجبار المواطن العراقي على مشاهدة مسلسل يومي ممل اسمه: السيادة في العراق الجديد، فلا تنفك وسائل إعلام المنطقة الخضراء عن عرض مشاهد لرفرفة العلم وعزف النشيد واستعراض القوات العسكرية والتأثر البادي على وجوه زمرة اللصوص والقتلة الحاكمة وجعجعة أبواق الحكومة الفاسدة للإيحاء بوجود سيادة في عراق اليوم. لكن هذه السيادة الوهمية تختفي حينما تعبر القوات الإيرانية من شرق العراق إلى غربه متجهةً إلى سوريا بلا حسيب أو رقيب، وتتجول القوات الأمريكية في بغداد وتتحرك إلى الموصل بلا موانع. بل إن قادة الدول الغربية يدخلون إلى العراق لزيارة قواتهم العسكرية ويخرجون قبل أن يعلم حكام المنطقة الخضراء بتواجدهم، وإمعاناً في الإذلال يدخل الرئيس الأمريكي ويخرج بدون أن يلتقي مع أحد مسؤولي المنطقة الخضراء وكأنه مر بحي سكني في واشنطن ولم يزر دولة معترف بها دولياً. والإهانة للقابعين في المنطقة الخضراء لا تتوقف؛ فطائرة ملك إسبانيا القادمة إلى بغداد تحمل علم النجمات الثلاث إلى جوار العلم الإسباني، والسفارة الأمريكية في بغداد تعزف نشيد أرض الفراتين مع النشيد الأمريكي، والرئيس الموريتاني يهنئ بالعيد الوطني للعراق في السابع عشر من تموز، وتبرير أبواق عصابة الفساد الحاكمة المعتاد هو الجهل؛ جهل دولي بالتغييرات التي جرت في العراق، وجهل دولي بالبروتوكولات الرسمية في العراق، وجهل دولي بشخصيات الحكم الحالي في العراق. لا غرابة في أن يتندر المواطن العراقي بحكام المنطقة الخضراء ويشبه القطر اليوم بخان جغان في العهد العثماني، فقد اعترف أحد أقطاب العملية السياسية بوجود أكثر من 600 جهة استخبارية دولية تسرح وتمرح في العراق دون خوف أو وجل. والأمل في عودة السيادة إلى العراق بظل الحكم الحالي معدوم، ما دام المترشح لأي منصب مهم في الدولة لا بد أن تصدر بحقه تزكية من السفارة الإيرانية في بغداد؛ وبعد أن يتولى منصبه يصبح شغله الشاغل زيارة السفير الإيراني وخدمة إيران وأطماعها في المنطقة. ولكن من المؤكد أن دوام هذا الحال في العراق من المحال، وأن شعب العراق المجاهد بكفاحه ونضاله يحدو ركبه صناديد البعث البواسل سيحرر الوطن من المحتلين وأذنابهم. إن يوم الخلاص من الاستبداد قادم لا محالة. وما ضاع حق وراءه مطالب.