في كل مرة تطرح فيها قضية ذات بعد قانوني على الرأي العام تتهافت الإسقاطات السياسية عليها ،وآخرها نتيجة الطعون بالانتخابات النيابية التي فصل بها المجلس الدستوري في قراره الذي أسفر عن إبطال نيابة المطعون بنيابتها ديما جمالي عن المقعد الذي شغلته عن دائرة طرابلس. فور صدور القرار، اعتبرت كتلة المستقبل النيابية أن غدراً سياسياً طالها من جراء إبطال نيابة أحد أعضاء الكتلة ،واعتبرت أن القرار ينطوي على خلفية سياسية. من جهته اعتبر المرشح الطاعن، أن القرار لم يكن منصفاً بحقه، لإن القرار الذي قضى بإبطال نيابة جمالي لم يقض بصحة نيابته واعتباره الفائز بالمقعد الذي بات شاغراً بعد إبطال نيابة المطعون بنيابتها. في بلدكلبنان، لا تخلو مؤسسة صغيرة اوكبيرة من تأثيرات سياسية، ومنها المجلس الدستوري الذي لم يسلم من التصويب عليه بالسيا سة من الطرفين الطاعن والمطعون بنيابته. فوفق وجهة نظر المطعون بنيابتها فإن التأثيرات السياسية ظهرت من خلال تراجع عضو المجلس المشارك في وضع التقرير عن رأيه من السلب بالطعن إلى الإيجاب به. كما برزت بالنسبة للطاعن من خلال اعتباره، أن المجلس أخرج المطعون بنيابتها من الشباك ليعيدها من الباب، عبر الدعوة إلى إجراء انتخابات في دائرة طرابلس لملء المقعد الذي شغر بالطعن وكان على المجلس أن يعلن فوزه لا الدعوة إلى انتخابات جديدة. في كلا الموقفين، تمت مقاربة القرار من خلفية سياسية، لا من خلفية قانونية وهذا حصل سابقاً في مقاربة الموقف من ملف شهود الزور في قضية اغتيال الرئيس الحريري ومذكرات التوقيف السورية بحق عدد من الشخصيات السياسية اللبنانية. وبغض النظر عن صحة وجهة نظر هذا الفريق أو ذاك، فإن اعتراض الطرفين في ملف الطعن على القرار الصادر، يعني أن المجلس الدستوري قارب المسألة من خلال تعليله وما توصل إليه من خلاصة، استناداً إلى تقدير منه للوقائع وللنص بقانوني الذي استند إليه في تحديد النتيجة التي توصل إليها. لقد خلطت الجهة الطاعنة في الدفاع عن موقفها بين أحكام القانون الانتخابي التي جرت الانتخابات في ظله وبين أحكام القانون الدستوري الذي أنشأ المجلس الدستوري. فقانون الانتخابات حدد الالية التي تعتمد فيها عملية احتساب الأصوات وبالتالي تحديد الفائز حتى ولو كان الفرق بسيطاً جداً. ولو كان النص القانوني في القانون الدستوري قد نص على أن إبطال نيابة المطعون بنيابته تفرض حكماً اعتبار الذي يليه بالأصوات وفق قاعدة الاحتساب فائزاًلكان موقف الطاعن في محله. أما وأن القانون الدستوري في مادته الواحدة والثلاثين ( 31 ) قد نص صراحة بأنه في الحالة التي يطعن فيها بعدم صحة النيابة المطعون فيها، فإن المجلس يعلن الغاء النتيجة بالنسبة للمرشح المطعون في نيابته وبالتالي تصحيح هذه النتيجة، وإعلان فوز المرشح الحائز على الأغلبية وعلى الشروط التي تؤهله للنيابة، أو إبطال نيابة المطعون بعدم صحة نيابته وفرض إعادة الانتخاب على المقعد الذي خلا نتيجة الإبطال. لقد أخذ المجلس الدستوري بالخيار الثاني، وهذا حق لا ينازع به، وهو كرس بنص، ولا اجتهاد في موقع النص وقراراته تتمتع بقوة القضية، وهي ملزمة لجميع السلطات العامة وللمراجع القضائية الإدارية، وهي مبرمة ولا تقبل أي طعن من طرق المراجعة العادية وغير العادية ( المادتان 51 و 52 من النظام الداخلي للمجلس ). إذاً، بغض النظر عما إذا كانت هناك تأثيرات سياسية على المجلس أم لا، إلا أن قرار المجلس هو قرار سليم من الناحية الدستورية ولا تشوبه أية شائبة. وطالما أنه لم يرض الطرفين فهذه شهادة تسجل له وإذا كان الشيء بالشيء يذكر، فهذا يذكرنا، بواقعة اعتراض طرفين سياسيين متخاصمين في زغرتا على أداء القائمقام أيام رئاسة فؤاد شهاب ،وأن الجهتين طالبتا بنقله وعندما وصل الأمر إلى الرئيس شهاب قال طالما الأطراف المتخاصمة قد اتفقت على انتقاد أداء القائمقام وتطالب بنقله فهذا يعني أنه على حق، وهو الصح وليبق في مكانه لأنه ينفذ حكم القانون وهم لا يريدون ذلك.