الانتماء لحزب البعث هو قرار تاريخي يتخذه كل من يؤمن بفكره ومبادئه ، ويؤمن بالأمة العربية ويمجد تراثها وتاريخها . الأمة العربية ليست أمة ثانوية بل هي أمة محورية وما قدمته للإنسانية من رصيد حضاري ورسالي ما يؤهلها ان تحمل هذا اللقب بجدارة واستحقاق . وبالتالي لا يمكن بحال من الأحوال أن يعيش العرب على الهامش في هذا الزمن ويقبلون بهذا الواقع الذي لا يليق بهم وبأمتهم . فالتجزئة والاستعمار والأنظمة الرجعية والتخلف تحديات تعيق تطور الأمة وتمنعها من العودة الى موقعها الأصلي في الريادة كما عبر عنها تاريخها المجيد . ولهذا ولد البعث كحالة مناقضة للواقع من خلال ما يحمله من فكر ومبادئ وتأملات مست جوانب حياة الأمة كمجموع ومست الفرد كخلية أولى في تحقيق الوثبة للخروج من هذا الواقع . فالوحدة العربية التي طرحها البعث كبديل للتجزئة هي العودة الى الحالة الطبيعية للأمة العربية . كما تطرق البعث الى موضوع القومية العربية المناقضة للعنصرية ، وكذلك شرح بالتفصيل معالم الاشتراكية العربية وموقفه من الرأسمالية والامبريالية والاستعمار بكل اشكاله ، كما عالج موضوع الدين باعتباره أحد مقومات رسالة العرب واسمنته الذي يحقق الوحدة ويجعل الإنسان العربي يتحرر من العصبية القبلية والعشائرية والأنثية وأن يكون الدين عامل من عوامل الإشعاع الحضاري للأمة العربية ، وبين في المقابل أن الحرية هي جوهر التغيير في حياة الأمة فعندما تتحرر الأرض ويتحرر الإنسان من التبعية ومن الخوف ومن الأنانية ، يمكن للأمة أن تستعيد قوتها وأن تنهض لتحقق وجودها كأمة ذات رسالة خالدة . وفي الجانب الاخر بين وحدد ملامح الشخصية البعثية المؤهلة لحمل راية البعث وتحقيق اهدافه وتحمل تبعات النضال والقيام بدور طليعي داخل الأمة ، باعتباره هو الحاضر من خلال سلوكه ووعيه وهوالمستفبل من خلال ما يمثله من قدوة يزرع الأمل والتفاؤل داخل المجتمع ويعطي الصورة الحقيقة للإنسان العربي الجديد . هذا هو البعث لم ياتي بأفكار جديدة أو غريبة على الأمة العربية وانما حدد معالم النهضة العربية واعادة بعث القيم الحضارية ، وفتح المجال لأبناء الأمة للنضال لتحقيق اهداف الوحدة والحرية والاشتراكية . فالهجمة على البعث ومحاولة التشكيك في مبادئه وأهدافه من خلال الحملات الإعلامية لم تفلح فمع مرور الزمن الزمن والأحداث التي مرت على الأمة أثبتت بأن الوحدة العربية ضرورة تاريخية وحتمية لمواجهة المشاريع الاستعمارية والسياسات القطرية فشلت في تحقيق طموحات الشعب العربي بل هي أحد عوامل الضعف التي أتاحت للاستعمار في الهيمنة على مقدرات الأمة ، كما اثبت الواقع ان النظام الراسمالي العالمي هو استعمار جديد هدفه هو خلق عالم فقير تابع ضعيف وعالم غني مهيمن وبالتالي فالاشتراكية التي تبناها البعث والتي اعطاها البعد الانساني والتي تتماشى مع قيمنا الحضارية وقدراتنا المادية والبشرية الكفيلة بتحقيق النهضة والتقدم ، ولقد ترسخت القناعة بالنسبة للمواطن العربي ان االأنظمة الحاكمة وباروناتها التي استولت في ثروة الأمة باسم اقتصاد الحر هم فقط المستفيدين من هذا الواقع بالتواطؤ مع الشركات الاحتكارية العالمية المهيمنة على مقدرات الأمة . لم يكتف البعث بما هو نظري وإنما أسس تنظيما قوميا من خلال الحزب وهياكله المختلفة وفق التربية التنظيمية والثورية والحزبية والأخلاقية كمدرسة تتخرج منه الكفاءات النضالية التي هي الأداة والوسيلة لتحقيق اهادف البعث . فلولا وجود الحزب لما بقي البعث مجرد أفكار ومبادئ يتسلى بها المثقفون والسياسيون ، ولكن إرادة المؤمنين بالبعث وتحليهم بروح المسؤولية تجاه الأمة تم وضع الأسس الصحيحة لبناء هذا الحزب ككيان فرض وجوده في الأمة من خلال تجربته الرائدة في القطر العراقي وما قدم للأمة من رجال ونساء كنماذج يعتز بهم المؤمنون من أباء الشعب العربي الذين صنعوا ومازالوا يصنعون تاريخا مشرفا للبعث وللعرب . فرغم ما عاناه الحزب في العقدين الماضيين من حصار وتصفية لمناضليه وقادته في العراق وما شمله من قرار الاجتثاث سواء من قبل الدوائر الاستعمارية او من طرف الأنظمة الحاكمة بقى صامدا ، أكيد انه تأثر من خلال ما أصاب بعض أشباه البعثيين من ضعف وما الحق به من ضرر حتى الذين يدعون انتماءهم للبعث الذين يخرجون من حين إلى آخر بأطروحات لا تمت بصلة لا بمبادئ البعث ولا بعقيدته ولا بتربيته الثورية الأصيلة ، فاذا كان الحزب قد تأثر كما ذكرنا امام هذه الهجمة الا أن البعث بقى صامدا محا فضا على عقيدته ومبادئه ، من خلال مناضليه المخلصين الصابرين كل في موقعه ومهامه . وعند قراءتنا للواقع العربي اليوم وما افرزته التحديات الحالية هي نتيجة طبيعية لوجود هذه الأنظمة القطرية والأحزاب الرجعية الدينية منها والتغريبية التي ساعدت الاستعمار في تنفيذ مشاريع التفتيت ونشر الفوضى بقي حزب البعث هو الوحديد الذي لم يشارك في هذه الجريمة في حق الشعب العربي وخاصة ما يجري في اليمن وسوريا والعراق وليبيا بل ان الحزب يشترك مع الأمة فيما أصابها. الحزب كيان تحكمه الضوابط الفكرية والتنظيمية والمناضلون هم صناعه ، فمنهم من يواصل المسيرة وفق الضوابط وبقى على هذا الحال الى يومنا هذا ومنهم من غادر هذه الحياة ومنهم من استشهد في ساحات القتال وفي السجون ، ومنهم من يعيش مدة زمنية في الحزب ثم ينسحب في محطة من محطات المسيرة ، نتيجة الإعياء الثوري أو عدم قدرته على التأقلم مع الضوابط ، منهم من بقى متصلا شكليا أملا في تحقيق بعض الطموحات الذاتية وتظهر سلبياته من خلال سلوكه وطرحه ولكن يبقى الحزب يواصل مسيرته بفضل المناضلين المنضبطين فكريا وتنظيميا الذين يرجع الفضل اليهم ببقاء الحزب صلبا شامخا شموخ الجبال . وهذه هي حالة الحزب فهو كالبحر بما فيه من شوائب ولكن يروي الأمة ، لا كالساقية الصافية التي لا تصنع تاريخا للعرب . نفس الشئ نجد في المجتمع من هو معك ومع فكر البعث ولكن غير مستعد أن يناضل معك أو يلتزم بالتنظيم وهو يعتبر من جمهور البعث ، ومنهم من معك وعلى استعداد للنضال والدخول في الحياة الحزبية ، ومنهم من هو ضدك وضد البعث . فالحزب له تحديات داخلية يواجهها المؤمنون الصادقون وتحديات خارجية يعيش في وسطها ويتاقلم معها تارة يؤثر وتارة يتأثر . وهكذا الحزب يعيش المعارك يوميا ومن خلالها تظهر الرموز على مستوى القيادة وعلى مستوى المجتمع وعلى مستوى المكانة التنظيمية . فارتقاء الحزب الى مستوى البعث يتطلب نسقا تصاعديا لأن أهداف البعث في القمة ومن أراد بلوغها ما عليه الا الصعود اليها وهذا يتطلب جهدا وعطاء وتضحية ، وعل هذا الأساس نجد أن الحزب يتحرر باستمرار من كل العوائق التي تشده الى الخلف او تمنعه من التقدم ، لبلوغ اهداف البعث والأمة .