استيقظت دمشق صبيحة الثالث والعشرين من شباط عام 1966 على وقع أكثر الانقلابات العسكرية في التاريخ السوري دمويةً، حيث احتلت دبابات المجرم حافظ أسد بتوجيه من أستاذه صلاح جديد على دوائر الدولة الرسمية ومرافقها الحيوية. لقد جابه كوادر الحزب هذه المؤامرة الدنيئة بشجاعة مقدمين الشهداء من أجل دحرها، وما صمود الرفيق محمد أمين الحافظ ورفاقه الأبرار وتصديهم الباسل لزمرة المرتدين المنشقين الا أكبر الشواهد على دفاع صناديد البعث عن قيم الحزب ومفاهيمه الأصيلة. إن أسوأ ما في الردة الشباطية أنها أفرزت نظاماً رجعياً عميلاً متسلطاً على الشعب بالقوة الغاشمة يدعي الانتماء الفكري للبعث والتنظيمي، كما تبرر خيانته منظمات تحمل اسم البعث ويهتف أفرادها لجرائمه. وبعد استيلاء عصابة جديد وأسد على الحكم أصدرت عدة قرارات، أبرزها ما يلي : * أولاً: حل القيادة القومية للحزب وقيادة القطر السوري. * ثانياً: تشكيل قيادة قطرية مؤقتة. * ثالثاً: دعوة المؤتمر القطري الثاني للحزب لعقد دورة استثنائية. * رابعاً: اعتقال أعضاء القيادة القومية بما فيهم الأمين العام المساعد للحزب، وإحالتهم لمحكمة حزبية خاصة. * خامساً: تشكيل لجنة تحضيرية للمؤتمر القومي التاسع. * سادساً: إيقاع عقوبة الفصل بالمعارضين لردة شباط من الحزب والزج بهم في المعتقلات، وتنفيذ حكم الإعدام بعدد من مناضلي الحزب ممن قاوموا الردة السوداء. * سابعاً: إلغاء العقوبات التي فرضتها القيادة القومية وقيادات الأقطار للحزب على المنحرفين، ودعوة من تم فصلهم للعودة إلى الحزب. * ثامناً: استخدام أسلوب الترغيب بنيل المواقع الحزبية المتقدمة والترهيب بالعقاب بحق البعثيين اللاجئين في القطر السوري، وقد نفذت العصابة الحاكمة تهديدها لمن لا يؤيدها فاعتقلت عدداً من الرفاق من العراق والأردن وفلسطين ولبنان والسودان وتونس ونفذت حكم الإعدام بالرفيق السوداني الشهيد حسني إبراهيم أبو زيد. إن هذه القرارات تنطوي على مخالفات صريحة لدستور الحزب ونظامه الداخلي وتقاليده الديمقراطية، يؤكد ذلك : 1- إن سحب الثقة من القيادة القومية هي من صلاحيات المؤتمر القومي للحزب. 2- إن حل قيادة القطر وتشكيل قيادة قطرية مؤقتة هي من صلاحيات القيادة القومية للحزب. 3- إن دعوة المؤتمر القطري لعقد دورة استثنائية يجب أن تنال موافقة القيادة القومية وإشرافها، بالإضافة إلى أن عقد مؤتمر قطري استثنائي ثاني يخالف توجيه القيادة القومية لقيادة القطر السوري قبل ردة 23 شباط بتهيئة الظروف لعقد مؤتمر قطري ثالث للحزب. 4- إن فرض العقوبات الحزبية أو إلغائها حق للقيادة العليا تستخدمه ضد القيادة الأدنى منها أو بأحد أعضائها، ولا يجوز لقيادة أدنى أن تستخدم هذا الحق ضد قيادة أعلى منها أو بأحد أعضائها. 5- إن تشكيل لجنة تحضيرية للمؤتمر القومي يجب أن ينال موافقة الأمين العام للحزب في حال تعذر انعقاد اجتماعات القيادة القومية، بالإضافة إلى أن المؤتمر القومي الثامن للحزب مضى على انعقاده عشرة أشهر ولم يكمل مدته القانونية، كما أن سبب تعذر عمل القيادة القومية هو اعتقال أعضائها في سجون الردة الشباطية. 6- إن الاتصالات الحزبية تتم وفق التسلسل الحزبي. 7- إن نيل المواقع المتقدمة في الحزب يتم بالانتخاب عليها في المؤتمرات الحزبية أو التكليف الرسمي من القيادة العليا. 8- إن تهديد اللاجئين ومساومتهم عمل لا يمت بصلة لأخلاق العرب وأعرافهم التي تحض على إكرام الضيف وحمايته من الخطر. وقد بذل بعض أصدقاء الحزب وساطتهم لدى النظام السوري كي يفرج عن أعضاء القيادة القومية ويلغي العقوبات الحزبية الصادرة بعد ردة 23 شباط 1966 على أن يعقد المؤتمر القومي الثامن دورة استثنائية تستمع لكل الآراء وتناقش الأسباب التي دفعت لوقوع هذه الأحداث المؤسفة، ولكن العصابة الحاكمة في دمشق رفضت هذه الوساطات لعلمها أن أي مؤتمر للحزب يحقق في أحداث شباط بحيادية سيعاقب أفرادها لإقدامهم على التكتل بشكل غير شرعي والتمرد المسلح على قيادة الحزب. لم تحظ الزمرة الشباطية بأي دعم من تنظيمات الحزب في داخل القطر السوري وخارجه، فأعلنت تبرؤها من الرفيق القائد المؤسس أحمد ميشيل عفلق والرعيل الأول للحزب وقررت الاسترشاد بالماركسية كبديل لفكر البعث وتراثه القومي الوحدوي التقدمي. لقد فرطت العصابة الشباطية بالجولان خلال حرب الخامس من حزيران عام 1967 ومهدت لهذه النكسة بتسريحها لخيرة ضباط الجيش وجنوده، ثم كان أمر حافظ أسد بسحب قطعات الجيش من محافظة القنيطرة تاركةً سلاحها الخفيف والثقيل رغم عدم تجاوز أي جندي صهيوني للحدود أكبر دليل على خيانته. وسرعان ما دبت الخلافات بين أفراد العصابة الحاكمة على السلطة ووصلت حد الاحتراب، وزج حافظ أسد بأستاذه صلاح جديد ورفاقه القدامى بالزنازين عام 1970 وانفرد بالسلطة ليكمل مشوار الخيانة بسحقه للمقاومة الفلسطينية والحركة الوطنية اللبنانية ووقوفه مع إيران في حربها على العراق في الثمانينيات؛ كما أرسل جنوده ليقاتلوا مع الجيش الأمريكي وجيوش الحلف الثلاثيني الغادر ضد العراق عام 1991 ونسج المؤامرات ضد وحدة العراق ونظامه الوطني وشارك في مؤتمر مدريد للتطبيع مع الصهاينة قبل أن يورث الحكم لابنه المجرم بشار عام 2000. وتواصل جماهير الشعب العربي السوري يحدو ركبها أبطال البعث الميامين الكفاح ضد الاحتلال الأجنبي والحكم الأسدي الخائن؛ الذي سلم مقدرات بلاده لروسيا وإيران وارتكب أبشع الجرائم بحق أبناء الشعب. إن فجر الحرية قادم لا محالة بهمة وعزيمة الأحرار والمناضلين. وما ضاع حق وراءه مطالب.