بعد تعثر تشكيل الحكومة منذ صدور قرار التكليف لتسعة أشهر خلت،تطرح مسألتان : الأولى : صلاحية الحكومة المستقيلة بإعداد مشروع الموازنة وإحالته إلى المجلس النيابي،والثانية تعويم الحكومة في حال لم تجد العقد الظاهرة والخفية طريقها للحل . وقد دار ويدور سجال دستوري وفقهي حول هاتين المسألتين بين من يقول بإمكانية الحكومة في وضعها الراهن أن تضع مشروع قانون موازنة على قاعدة الضرورات تبيح المحظورات،ورأي آخر لا يجاري هذا. كما يدور سجال حول امكانية تعويم الحكومة فيما لو تعذر تشكيل حكومة جديدة . حول هاتين المسألتين : نرى أنه في وضع الحكومة الحالي لا تستيطع أن تضع مشروع قانون موازنة لأسباب ثلاثة : السبب الأول : أن استقالتها حكمية سنداً للبند ( هـ ) من المادة 69 من الدستور،وليست معتبرة مستقيلة بناء لإرادة رئيسها البند ( أ ) وإرادة أكثر من ثلث أعضائها البند ( ب ) من المادة نفسها.وهناك فرق بين مفاعيل اعتبار الحكومة مستقيلة بقوة النص الدستوري أو بناء لإرادة رئيسها أو أكثر من الثلث . السبب الثاني : إن الحكومة عندما تعتبر بحكم المستقيلة تقتصر أعمالها على تصريف الأعمال في النطاق الضيق.وإعداد مشروع قانون موازنة وإحالته إلى المجلس النيابي لا يندرج ضمن تصنيف النطاق الضيق لتصريف الأعمال اي ضمن الأعمال العادية التي تنحصر مبدئياً في الأعمال الإدارية .بل تندرج ضمن الأعمال التصرفية وهي التي ترمي إحداث أعباء جديدة أو التصرف باعتمادات هامة أو إدخال تغيير جوهري على سير المصالح العامة وفي أوضاع البلاد السياسية والاقتصادية والاجتماعية تحت طائلة المساءلة الوزارية . وبذلك فإن الأعمال التصرفية تخرج بطبيعتها عن نطاق الأعمال العادية التي لا يجوز لحكومة مستقيلة من حيث المبدأ أن تقوم بها . ( وهذا ما أكد عليه قرار مجلس شورى الدولة رقم 614 تاريخ 17 كانون الأول 1969 ) . وحيث أن الميزانية العامة ،ترسم السياسة المالية للدولة وترمي إلى إحداث أعباء جديدة أو التصرف باعتمادات هامة،فإنه لا يجوز اعتبارها مندرجة في الإطار الضيق لتصريف الأعمال . السبب الثالث : إن المشترع لحظ امكانية عدم تمكن المؤسسات الدستورية المعنية اصدار الميزانية العامة،بأن فتح له مخرجاً وهي الصرف على القاعدة "الاثنتي عشرية"بحيث تكون تصرفات الحكومة في الانفاق متوفرة لها التغطية القانونية . على هذا الأساس،فإنه في ظل وضع الحكومة الحالي فإنها لا تستطيع وضع قانون مشروع موازنة عامة واحالته إلى المجلس النيابي لأن الميزانية تندرج ضمن الأعمال التصرفية،وإن العودة إلى سابقة اقدام الحكومة عام 1969 على الاجتماع ووضع مشروع قانون موازنة يوم كان رئيس الحكومة السابق رشيد كرامي معلناً الاستقالة،فإنه لا يمكن القياس على تلك الحالة : أولاً ،لأن الحكومة الحالية معتبرة مستقيلة حكماً،وثانياً لأن الإجتهاد الحكومي استند إلى فتوى أن رئيس الحكومة أعلن استقالته في مهرجان ولم يقدمها رسمياً إلى رئيس الجمهورية ولم يصدر الأخير قراراً بقبولها،فبقيت معلقة أي مشروع استقالة . أما بالنسبة للمسألة الثانية،وهي امكانية تعويم الحكومة ،فإن الحكومة الحالية لا يمكن تعويمها لأن استقالتها ليست استناداً إلى ارادة منفردة او جماعية بل حكمية بقوة النص،وبالتالي فإن اعادة تعويمها لا سند دستورياً له. وأذا ما تم التوافق السياسي على ذلك،فهذا التوافق يمكن تمريره لكن ليس دستورياً وبالامكان الطعن به امام المجلس الدستوري . والحل لا يكون بالبحث عن حلول خارج نطاق النص الدستوري بل بتسهيل تشكيل الحكومة وتجاوز العراقيل الظاهرة والخفية حيث كلما حلت عقدة برزت أخرى في وضع لم يعد يتحمل مماحكة سياسية وتطويع المصلحة العامة لحساب المصالح الفئوية الخاصة .