الأوضاع العربية المتردية هي حالة غير طبيعية والتحديات أصبحت تتفاقم كل يوم ، فكل شئ يسير في الاتجاه المعاكس لطموحات المواطن العربي ، وكل يوم يطل علينا إلا وظهرت إمامنا حالة أكثر سوءا من قبلها ، وبالتالي فأي عمل إصلاحي لا ينفع ما دام أن الذين يدمعون الإصلاح هم اللذين ساهموا بشكل أو بآخر في إنتاج هذا الواقع ، وبالتالي لا أمل في هؤلاء ، كما أن الذين ينتظرون أو يأملون أن تأتي المعجزة من قوى خارج الأمة لتساعدنا على تغيير أوضاعنا ، فهؤلاء لم يعودوا من الأمة ، فكلما ناداهم الواجب الوطني والقومي الا وتنصلوا من المسؤولية ويتهمون الأمة بالعجز وبالتالي نجدهم يقدمون أنفسهم كأوصياء على الشعب من خلال تحاليلهم السياسية ، ويظهرون في الموائد المستديرة كمنظرين ، ولكنهم في الحقيقة يجلسون على موائد الظالمين . في حين أن القوى المنتفعة من أوضاع الأمة المتمثلة في أمريكا والغرب والصهيونية والقوى الإقليمية تعمل ليلا ونهار في تنفيذ مشاريعها ولم تخطأ أبدا في يوم من الأيام أو تتقاعس في تأدية مهامها وتحقيق إستراتجيتها ، صحيح أن هذه القوى تصنع مجدها على حساب القيم الإنسانية وعلى حساب حقوق الإنسان وعلى حساب كرامتة وعلى حساب دماء الملايين من الناس وعلى حساب المشردين واليتامى والأرامل فكل أعمالهم تتنافي والقيم الحضارية بل هي أعمال اجرامية متوحشة وبالتالي فهم يعبرون عن حقيقتهم وحقدهم اتجاه الأمة العربية ورسالتها الخالدة . في حين أن تاريخ العرب عبر قرون من الزمن لم يعتدوا على أمم أخرى أوانتهكوا حرماتها أو تسببوا في تعاستها ، بل العرب هم الذين نشروا قيم العدل والمساواة والعلم وساهموا في إنقاذ البشرية من الجهل والتخلف فهذه هي حقيقة العرب عندما تحققت لديهم القناعة بان المجد لا يتحقق إلا بالتضحية والثورة عل كل ما يعيق تقدمهم . إذن اليوم لا ينفع مع هذا الواقع إلا الانقلاب على الذهنية الانهزامية وعلى الأوضاع الحالية . هناك من يرفعون شعار التغيير فلجأوا إلى أساليب زادت في تأزيم الأوضاع فاستعجلوا الانتصار على حساب المبادئ والقيم وارتموا في أحضان الغير وأصبحوا أداة تهديم وليس أداة تغيير . فحزب البعث العربي الاشتراكي فمنذ تأسيسه نادى إلى التغيير من خلال مقالات المؤسس أحمد ميشل عفلق رحمه الله التي حددت بوضوح معالم الثورة العربية وأهدافها ومبادئها فركز على الانقلاب كوسيلة لتحقيق أهادف الأمة وما هي شروط تحقيقه عندما يقول (( الشروط اللازمة للحركة الانقلابية تقوم على الوعي أولا وعلى الشعور بالمسؤولية ثانيا ، وعلى الإيمان أخيرا ، ولابد أن تتحقق هذه الشروط لكي تخلق الحركة الصحيحة ، وكل عمل يستهتر بهذه الشروط أو ببعضها بحجة الإسراع ، فهو عمل مناقض وزائف ، اذ ما الفائدة من السرعة إذا أوصلنا إلى النتائج القديمة نفسها ألا وهي عدم القدرة على مجابهة الأخطار ... فالزمن الذي نصرف في تهيئة الشروط الأساسية ليس هو الزمن الضائع ، وأن ما يحسبونه عقبة في الطريق ليس إلا الطريق نفسه )) فالإنسان الذي يتحمل مسؤولية التغيير يكون هو قد أحدث في نفسه الانقلاب على القيم البالية والأنانية والكسل والجبن وان هذا الإنسان هو ابن بيئته يعي ويدرك محيطه ومجال نشاطه ويعي المخاطر والتحديات التي تواجه أمته . فتحقيق الانقلاب في الأمة يحتاج الى توفير كل شروط النجاح من تضحية واستعداد وابتكار الأساليب الصحيحة التي تختصر الزمن دون أن تقفز على المراحل . كما أن الانقلاب هو تعبير عن الوعي والسلوك الذي يظهر حقيقة الإنسان العربي الذي تحققت شخصيته عبر قرون من الإبداع والنضال والتجرد . الإيمان بحتمية التغيير والإصرار على الانتصار هي مفاتيح ضرورية لكل خطوة نحو تحقيق الانقلاب في الأمة صحيح أن التحديات الخطيرة أثرت سلبا على جميع نواحي حياة الإنسان لقد تضررت القيم فدفعت الناس إلى التخلي عن فكرة العمل الجمعي ولكن بذور الخير في الأمة موجودة تحتاج من يكتشفها ويسقيها بعرق وجهد المبادرين ، كما يوجد في الأمة بذور الشر التي ينبغي حصرها وتقزيم دورها وتقليص مساحتها . ففي كل محطة من محطات النضال هي وقفة مع الذات للنقد والنقد الذاتي وهي في نفس الوقت شحنة لمواصلة المسيرة مع العودة الى نقطة البداية لتصحيح كل مسار خاطئ . اذا كان البعث صاحب مشروع نهضة الأمة فمن الطبيعي أن يواجه الكثير من التحديات ، فالوطن العربي أصبح ساحة للصراع الدولي ومن يتحكم في هذه الرقعة الجغرافية يكون قد حقق أهدافا إستراتيجية اقتصادية وعسكرية . ولهذا نجد أن القوى المتصارعة باختلاف اتجاهاتها تعمل على تحييد كل عمل وحدوي يصب في خدمة الأمة العربية وبناء مشروعها القومي التحري التنموي ، فلا غرابة إذن أن نجد اليوم كل الأسلحة موجهة لحزب البعث باعتباره يحمل أهداف وطنية وقومية تتناقض وأهداف القوى المتصارعة إذن فلا سند للبعث يعتمد عليه سوى الجماهير العربية ، وبالتالي نجد أن هذه القوى تستهدف الجماهير العربية من خلال مشاريع التفتيت بأسلحة طائفية وعرقية وأثنية . ففي الوقت الذي كان من المفروض أن ينصب جهد الشعب نحو تحقيق عوامل القوة نجد أن الجهد موجه وللأسف الشديد إلى تكريس الضعف وتعميق حالة التفرقة ، تنفذه حركات ذات طابع ديني وانعزالي وتغريبي مع تواطأ الأنظمة الرجعية . فصمود البعث الأسطوري في هذا الزمن هو تعبير صادق أن قواعد وأسس البعث متجذرة في وسط الجماهير . وهذا ما يميز حزب البعث على أنه حركة شعبية نظرت إلى واقع الأمة بنظرة عقلانية وواقعية واستمد فكرها من ارثها الحضاري فرات أن الحل يأتي من الداخل عكس، باقي الحركات السياسية في الوطن العربي التي غالبا ما تستمد أفكارها من خارج أو باستخدام تراث الأمة في الاتجاه الخاطئ . ولهذا فان التخطيط للعدوان على البعث ورموزه لم يأتي من داخل الأمة بل من الخارج و بتواطؤ من عرب الجنسية ، ولهذا يبقى البعث حي ما دام يستمد بقائه وقوته من أبنائه المخلصين له وللشعب العربي .