ان الجهل ليس نتاج عفوي في عقل المرء ولا يتراكم دون معطيات ولا هو بالقدر التلقائي للفرد او المجتمع بل تتم صناعته بتغييب الحقائق وخلق بيئة مناسبة لاقناع الجاهل انه ليس كذلك ، ليكن بالمستطاع توجهيه نحو اهداف وغايات تُرسم له فيكن معارضا للتغيير بعنف ، وبالتوازي مع ذلك يتم خلق مجتمع لا ينفر من الجاهل ويتقبله رغم ظلاميته و مجتمع يمتنع عن البحث عن الحقائق التي ترفع من شأنه . لذا اعتبر الاستعمار القديم والحديث ان اهم ركائز ثالوثه هو الجهل مترابطا مع المرض والفقر . والتجهيل ترسيخ وتعميق للجهل في المجتمع وادواته مخالب قاتلة للمجتمع. ولاجل بناء الجهل وفق قواعد علمية عُقد في لندن مؤتمر هنري كامبل بانيرمان عام 1906 كان هذا المؤتمر من اطول المؤتمرات التي تستهدف عقل الانسان في التاريخ حيث استمر شهرا كاملا وقدمت فيه دراسات تعني بمصالح الدول الاستعمارية وفي مقدمتها بريطانيا ، والشروع بتأسيس مؤسسات ومعاهد تقوم باعداد استراتيجيات للتجهيل بطرق علمية ، وكانت من بين اهم تلك الدراسات والقرارات تلك التي تستهدف منطقتنا العربية وشعوبها فاجمعت دراساتهم هذه على ضرورة ( إبقاء شعوب هذه المنطقة مفككة جاهلة متأخرة ( العرب الهدف الجوهري ) ووفقا لما ذهب اليه الباحثون في هذا المؤتمر ان هذه الدول المستهدفة لا تقع ضمن الحضارة الغربية المسيحية ويوجد تصادم حضاري معها، وتشكل تهديدًا حال تفوقها ( وهي بالتحديد الدول العربية بشكل خاص والإسلامية بشكل عام )، والواجب تجاه تلك الدول هو حرمانها من الدعم، ومنع اكتساب العلوم والمعارف التقنية، وعدم دعمها في هذا المجال ومحاربة أي اتجاه من هذه الدول لامتلاك العلوم التقنية. ومن اهم وسائل تعزيز التفكيك والجهل هو اثارة العداوة بين طوائف هذه الدول التي تتــم بواسطة صناعة الجهل وتغليفة في هيئة جميلة ونشره بين الفقراء لان ذلك يساهم في اضعاف المجتمع ولجعل افراد الطائفة الواحدة متقوقعيين اجتماعيا لخوفهم من الاخر وينحسر مستوى الوعي عندهم لرفضهم التوسع الثقافي لكي لا يتأثروا بالثقافة العامة ويتمسكوا بمنظورهم الطائفي او الجهوي الضيق . فمنذ 2003 سعى المحتل في تكوين التكتلات الطائفية وعززها بفكر ديني ليحصل الفرد في الطائفة على قداسة الحفاظ على الطائفة وتبرير اي عمل معادي للطوائف الاخرى تحت غطاء القدسية الدينية . وعندها يتمكن الموجهين للطائفة وهم اصحاب المصالح الخاصة سياسيا او اقتصاديا ان يبعدوا ابناء الطائفة عن ادراك الحقائق التي حولهم ومنعهم من البحث عنها بخلق جوا من الارباك ليصنع مجتمعا جاهلا يُستخدم في تنفيذ اجندات سياسية ذات طابع استعماري. إن ترسيخ الجهل والحفاظ على ما تحقق من طائفية في المجتمع لابد من تحطيم عالم التعليم وتدمير وسائل المعرفة والترويج للجهل عبر قنوات اعلامية تافهة متعددة فاصبح المواطن العراقي بين فكي التخطيط الخارجي الاستعماري وبين ادواته الاعلامية واحزابه التي تفرض اعلاما جاهلا طائفيا وتًدخل الاحزاب بالملاكات التعليمية والتي تُركز على مدارس الابتدائية والثانوية لخلق قاعدة للجهل المتنامي ناهيك عن سرقة اموال البنى التحتية للتعليم ، فقد كثرت في جنوب العراق مدارس مبنية من طين رغم رصد مليارات الدنانير لغرض بناء المدارس ذاهبة بذلك لجيوب الاحزاب . ان فساد منهاج التعليم وابعاد الكفاءات ذات الاختصاص في التربية والتعليم ادى الي تدني مستوى التعليم في العراق ليكون في ذيل القائمة العالمية ، بعد ان خرج العراق من ظلام الامية في نهاية سبعينيات القرن الماضي . لقد اشار عدد غير قليل من الباحثين والكتاب عن الكارثة التعليمية في العراق ولُخصت المخاوف في تقرير كتبته السيدة شذى خليل من مركز الروابط للبحوث والدراسات في اب / اغسطس 2018 جاء فيه : ( مستقبل العراق مظلم بسبب حال التعليم الذي تم تدميره بطريقة ممنهجة خدمة لمصالح المتربصين بالبلاد والراغبين في السيطرة عليه من قوى إقليمية وعالمية ، التعليم في العراق بحاجة إلى ثورة ضد الفساد والمفسدين للنهوض به من جديد ، وسيدون التاريخ من أساء للعلم والتعليم في العراق ، ليكون وصمة عار في جبينه ) واخر صيحات التجهيل في العراق هو دخول المليشيات وبشكل رسمي على خط التعليم لفرض وصايتهم عليه عبر ما يسمى الحشد التربوي وفرض رؤيتهم في تفسير الحياة على الضد من المنهج التعليمي وجعل المعلم اداة للتجهيل لانه تابع لفكرهم اللاديني المنحرف ذو الخرافة الفارسية . نحن امام مؤامرة كبيرة منظمة على مستقبل العقل العراقي من خلال تجهيل التعليم بشكل ممنهج وزيادة منسوب الخرافات والحكايات ذات الطابع الهدام بواسطة القنوات التابعة للاحزاب التي تعج بالمتعممين لاسداء صدقية على الجهل باسم الدين وقنوات اخرى مجهولة التمويل بالاضافة الى جيش التجهيل الالكتروني . إن نظريات الاصلاح التربوي المعروفة عالميا او الخبرات العراقية الاصيلة في هذا المجال لا يمكن لها ان تجد مناخا مناسبا للقيام باي دور لتغيير واقع الحال لانها لا تملك ادوات التغيير الاساسية وهي فرض رؤية علمية لمكافحة الجهل ولا تستطيع ان تمنع القوة التدميرية للعقل العراقي من العبث في مستقبل العراق الحضاري الا في حالة ازالة العوائق المانعة لذلك واهمها ادواة التجهيل وهي المليشيات المدعومة من ايران وتنفذ اجندتها و برضى امريكي صرف وهذا الامر لا يتم الا بالغاء العملية السياسية التي سمحت لوسائل التجهيل ان تتعمق في المجتمع ومنها الطائفية والفساد المالي والاداري والسياسي وهيمنة الخرافة على المجتمع مغطاة بيافطة قانونية اسموها الدستور عند ذاك يمكن البدء بثورة ضد الجهل وادواة التجهيل واستعادة الموروث الحضاري للعراق عبر قرارات نهضوية .