في مطلع تشرين الأول عام 1187، تمكن جيش الفارس العربي العراقي التكريتي صلاح الدين الأيوبي من تحرير القدس التي كانت خاضعة لاحتلال من أطلقوا على أنفسهم مسمى الصليبيين، تلبيةً لنداء أبناء فلسطين واستجابةً لوفودهم التي تقاطرت على بلاط الخلافة العباسية في بغداد مناشدةً بضرورة التحرك الفوري لنجدة بيت المقدس وصد خطر الغزاة عن بلاد الشام. وفي العصر الحديث، لم يجد قادة ثورة 1936-1939 في فلسطين والمساهمين بها ملجأ آمناً سوى العراق الذي تطوع عدد من أبنائه لمشاركة ثوار فلسطين في الكفاح ضد المحتل البريطاني، كما خصصت إذاعة بغداد جزءاً من نشاطها اليومي لمتابعة ثورة فلسطين وتوجيه النصائح والإرشادات للثوار في نضالهم ضد العدو. وعند إندلاع ثورة مايس التحررية عام 1941 في العراق ضد الاحتلال البريطاني تطوع اللاجئون الفلسطينيون في الثورة كما ساهموا في تدريب الثوار على أفضل السبل لمنازلة العدو. وفور بدء الحرب العربية الصهيونية عام 1948، هب الجيش العراقي إلى أرض فلسطين وكانت له معارك مشرفة دارت رحاها من جنين إلى كفر قاسم وتمكن من حماية المثلث العربي ومنع سقوطه بيد العصابات الصهيونية، وتبقى مقبرة جنين للجيش العراقي شاهدة على تضحيات جند العراق الميامين الجسام للدفاع عن فلسطين وقضية شعبها العادلة. وقد رفض العراق اتفاقيات الهدنة وأعلن أنه في حالة حرب مع الكيان الصهيوني حتى عودة أرض فلسطين كاملةً غير منقوصة لشعبها العربي الأصيل وجلاء المحتلين عنها، كما استضاف القطر أعداداً غفيرة من الفلسطينيين الذين اضطروا لمغادرة بلدهم بعد احتلاله وتمت معاملتهم معاملة المواطن العراقي ولم يقع بحقهم أي تمييز أو اضطهاد. وبعد ثورة الثامن من شباط عام 1963، دعت سلطة البعث الثورية في العراق لإنشاء كيان فلسطيني يمثل إرادة شعب فلسطين الوطنية المستقلة، وعندما تأسست منظمة التحرير الفلسطينية عام 1964 بادر العراق على الفور للاعتراف بها ممثلاً شرعياً ووحيداً للشعب الفلسطيني. وقد شارك أبناء فلسطين المقيمون في العراق في معارك الدفاع عن وحدة العراق وسيادته في حركات الشمال ومنازلة قادسية صدام وملحمة أم المعارك ومعركة الحواسم وقدموا الشهداء فداءً للعراق وشعبه المجاهد، كما انخرط الكثير منهم في صفوف حزب البعث العربي الاشتراكي مناضلين لتحقيق أهداف الشعب والأمة في الوحدة والحرية والاشتراكية. لم يتأخر جيش العراق عن نداء الواجب في حرب العام 1967، ورابط على أرض الأردن متصدياً للأطماع الصهيونية وحامياً للعمل الفدائي الفلسطيني، كما أسهم في نصر العرب الاستراتيجي على العدو الصهيوني في الساحتين المصرية والسورية إبان حرب تشرين 1973. لقد حرصت ثورة السابع عشر - الثلاثين من تموز عام 1968 على دعم جميع فصائل المقاومة الفلسطينية دون تمييز، كما بادرت قيادة العراق الشجاعة على الاعتراف بالدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس عام 1988 والتي كان إعلانها أحد ثمار الانتفاضة الفلسطينية الأولى. وبعد الانتفاضة الفلسطينية الثانية عام 2000، أصدر الرفيق الشهيد صدام حسين توجيهاته بدعم أسر شهداء الانتفاضة وجرحاها وعلاج المصابين وتعويض الأسر التي أقدم العدو الصهيوني على هدم منازلها وإرسال الأموال والأسلحة والذخائر للمقاومين رغم التأثير السلبي للحصار الدولي الجائر على العراق، كما أعلن الرفيق القائد في شباط عام 2001 عن تأسيس جيش القدس من أجل إعداد العدة وتدريب المتطوعين وتهيئة المستلزمات ليوم تحرير فلسطين. أدرك العدو الصهيوني خطورة سلطة البعث التقدمية في العراق على مخططاته فبادر لدعم الجيب العميل كما أقدم على تدمير مفاعل تموز النووي العراقي في السابع من حزيران عام 1981، وكان للعراق رد قاس تمثل بدك صواريخ الحسين للكيان الصهيوني خلال شهري كانون الثاني وشباط عام 1991 التي تسببت بخسائر مادية وبشرية للعدو. وبعد احتلال العراق عام 2003، ارتكبت الميليشيات العميلة أبشع الجرائم بحق اللاجئين الفلسطينيين، وشردت ما تبقى منهم خارج العراق بعد السطو على أموالهم وممتلكاتهم بضوء أخضر أمريكي وصهيوني. وتتواصل الزيارات المتبادلة السرية والعلنية بين المسؤولين الصهاينة وحكام المنطقة الخضراء، في تحدٍ سافر لمشاعر أبناء الشعب العراقي وتراثهم النضالي. ويواصل المجاهدين في العراق وفلسطين نضالهم الملحمي حتى يتحقق النصر المبين والتحرر التام من الاحتلال وإفرازاته العفنة. وما ضاع حق وراءه مطالب.