سأل أحدهم في معرض حديثه عن مبررات الفعل الذي تريد تنفيذه الدولة ، أي دولة ، لأن الفعل لا بد من تبرير أو تسويغ لكي يظهر في معادلات السياسة والأعلام وأروقة الدبلوماسية وحتى على مسرح الجريمة .. هل اندحر ( الأخوان المسلمون ) ، الذين وظفتهم الاستخبارات الأمريكية منذ اللحظة التي دخلت فيها الجيوش السوفياتية الأراضي الأفغانية ؟ ، كما استخدمتهم الإدارات الأمريكية لتقويض النظم السياسية في المنطقة العربية على أساس مشروع الشرق الأوسط الكبير ، ودفعت أكثر من (50) مليون دولار لكي يصل ( محمـد مرسي ) إلى سدة الحكم في الدولة المصرية وهي الدولة الكبرى في المنطقة وشعبها العربي كان قد أفسد على أمريكا نجاحها في تصعيد " مرسي " في غفلة من الزمن ، هذا الشعب يدرك ثقله الحضاري الذي تكبله المعاهدات وتطوقه الحاجات الاقتصادية ؟ . خط الأخوان المسلمين كان خيارًا استراتيجيًا أمريكيًا إبان تلك الفترة .. حين اعتقدت أمريكا أن هذا الخط يمكن أن يكون أداة لتهديم النظم السياسية من جهة ، وأداة لتدمير الإسلام ونخره من الداخل على أساس ( إسلام معتدل ) و( إسلام متطرف ) .. واستمرت في توظيفهم واستخدامهم بصورة سرية حتى بعد هزيمة الاتحاد السوفياتي في أفغانستان ، وفشلها في مصر ، وفشلها في تونس وليبيا ، وانتشارهم في سوريا واليمن والعراق .. ولما كانت إدارة أوباما قد تبنت خط دعم الأخوان في قطر ومساندة الخط الإسلاموي الإرهابي في إيران ( قم ) وقدمت العراق إليها وانسحبت منه ، وسكتت على جرائمها وتوسعها وتهديداتها لمحيطها وللعالم الأوربي ، حتى بلغ الأمر حد التأثيرعلى المصالح الأمريكية في المنطقة ، وزعزعت استقرار العالم .. إلا أن إدارة ( أوباما ) قد مهدت لمرحلة استكملتها إدارة ( ترامب ) ولا تقاطع بين الإدارتين ، لأن لكل منهما أهدافها المرحلية متوسطة المدى .. تقزيم إيران بعد أن تعملقت .. واستنزاف روسيا بعد أن تغولت .. واستخدام حثالات العملية السياسية في العراق لإفساد كل شيء وتدمير كل شيء وكما يريده الوكيل الإيراني للعراق من تدمير هياكل الدولة العراقية إلى تفكيك الشعب العراقي إلى تدمير البيئة تدميرًا شاملاً . اللعبة الكبرى ، بدأت حين تمردت قطر على مجلس التعاون الخليجي .. وأنظمة دول المجلس أنظمة متجانسة نسبيًا ومتشابه ، على الرغم من وجود بعض الخلافات التي لم ترقَ إلى مستوى التصادم ، وشعبها متشابه في عاداته وتقاليده ، فلماذا تمردت الدولة القطرية على المجلس وهي بهذا التوصيف ؟ ، ولماذا راحت الدوحة سريعًا بأحضان طهران ؟ ، ولماذا تبرعت أنقرة لترمي بثقلها العسكري لـ( حماية ) الدوحة من احتمال اجتياح عسكري خليجي لها ؟ . الخطوة الأولى ، التي بدأتها قطر ، هذه الدولة المجهرية التي تشعر بنقص المكانة السياسية والاعتبارية تريد أن تلفت أنظار العالم بشأن تصرفاتها في تسوية العلاقات السرية المشحونة بالإرهاب على أن تكون كسمة مميزة ، احتضنت الأخوان المسلمين حتى بعد اندحارهم في مصر وافتضاح بياناتهم في أكثر من ساحة .. أما أمريكا فهل تخلت نهائيًا عن الأخوان المسلمين كحصان خاسر؟ ، كلا ، أبقت على بعض عناصرهم لتحريك المواقف من أجل استكمال حياكة اللعبة .. وللعبة ثلاثة أبعاد ( قطر إيران تركيا ) .. قطر تريد إيذاء السعودية للخلاص من الحصار .. وإيران تريد إيذاء السعودية للخلاص من خصم .. وتركيا تريد أن تتخلص من الحصار وتتقرب من واشنطن .. وواشنطن تريد أن تستكمل تفكيك النظم السياسية في المنطقة العربية برمتها . ويبدو أن الحجر الكبير الذي تريد أمريكا إسقاطه في البركة ، السعودية ، ليبدأ المتغير الكبير في المنطقة .. من المستفيد في هذه اللعبة الخطرة التي تلعبها قطر؟ ، المستفيد هي ( إسرائيل ) وإيران وصاحب المسرح الكبير أمريكا .. خاشقجي مجرد طعم لصيد كبير وثمين على طريق المتغيرات العميقة في المنطقة .. الطعم تبعثر وأفلت الصيد من الصنارة !! . هل تدرك أنقرة هذه المخاطر ، خاصة إذا ما حل الفراغ السياسي - الأمني في الجزيرة ، ماذا سينتجه الموج العارم على تركيا التي تعتبر نفسها العنصر الموازن للضبع الفارسي المتربص بفراغات الأمن في أي بقعة في المنطقة العربية ومحيطها ؟ . قطر وإيران أرادا معًا جر تركيا إلى مستنقع الجزيرة ، فهل استجابت أنقرة لذلك من خلال تفاهمات الوجود العسكري التركي على أرض الجزيرة ومبالغ الدعم القطري لليرة التركية المنهارة ؟ ، وأمريكا وورائها الكيان الصهيوني لا تريد أن تستخدم قواتها المسلحة ولا تتدخل ، إنما تشعل الحرائق وتراقب هذا الاشتعال ثم تأتي بصفة اطفائي منقذ يحاول أن يبني ما تهدم !! . ليس غريبًا أن تتولى مديرة مكتب موزة ، والدة تميم أمير قطر ، الفارسية إبنة قاسم سليماني .. وليس غريبًا أن تحتضن الدوحة قيادات الأخوان المسلمين وتفرعات تنظيماتهم في تركيا ، وبقاياهم في مصر ، وبعضهم في تونس ، وعصاباتهم في سوريا ، وأحزابهم الإسلامية في العراق .. وليس غريبًا أن تستبقي أمريكا خيوطها الاستخباراتية مع القرضاوي والغنوشي والظواهري ومعسكرات القاعدة في إيران ، التي أنتجت داعش ودمرت الموصل وأنهت ديمغرافيًا العشائر العربية في الأنبار ودير الزور والوجود العربي على طول نهر الفرات . فشلت اللعبة الكبرى في اسطنبول ، وفشلت الدوحة ، ومات خاشقجي دون أن يدرك كنه اللعبة ، ربما .. ولكن خيط لعبة بقايا الأخوان بيد الصهيونية العالمية ودهاليز الأيباك !! .