نجزم أن مرحلة الإعداد لغزو العراق قد أخذت أعواما عدة قد تزيد على ثلاثين عاما تم خلالها إعداد بحوث ودراسات لجوانب سياسية ودينية وإجتماعية وإقتصادية مختلفة. وكانت البحوث الخاصة بالتنوع الديني والطائفي والعرقي على قدر كبير من الاهتمام، ونزعم أنها قد تمت في معاهد ودول مختلفة. وكان هناك تركيز استثنائي أيضا على البنية الاجتماعية العائلية والعشائرية وخصوصيات مناطق العراق المختلفة. ورافق حقبة الدراسة والبحث والتقصي ممارسات وجس نبض ومؤامرات داخلية وخارجية ومحاولات اختراق مخابراتية مختلفة وبوسائل مبتكرة نظرا لحصانة الدولة العراقية وقوتها. نعتقد أن ثمة وقفات عميقة ونقاط بارزة قد وضعت بعد تأميم النفط العراقي عام 1972 والبدء بتنفيذ خطط تنمية انفجارية تلتها عمليات تقصي كبيرة خلال وبعد الحرب التي فرضتها إيران على العراق ( 1980- 1988 ) وتضمنت التركيز على : * أولا : الطائفية كعامل حاولت إيران تفعيله لتحقيق الغلبة وإنجاز مهمتها في اختراق الجدار العراقي واحتلال البلد. * ثانيا : التجنيد الإلزامي الذي يحقق عاملا مهما من عوامل وحدة المجتمع العراقي والجيش الوطني على حد سواء وتدخلت هنا على ما نظن دراسات نفسية توغلت في محاولات حصر الرغبة وعدم الرغبة عند الشباب في موضوع أداء الخدمة الإلزامية. وقد يكون هذا الخط من الدراسات هو أحد مسوغات حل الجيش العراقي بعد الغزو وذلك لتحييد بعض الشباب الذين كانوا يرون في الخدمة الإلزامية عبئا على أكتافهم ويحبذون عدم خوض تجربة التدريب العسكري المتسم بالالتزام الصارم والحزم والشدة التي ترافق عادة تعليم الجندي على الصبر والتحمل والرجولة. أما الحصار ( 1989 - 2003 ) فلا نظن أن أسسه النظرية الناتجة عن دراسات معادية معمقة والتي طبقت فعلا ميدانيا على كل ساحة العراق قد اقتصرت على تجويع شعب العراق وسحق كرامته وتعريضه للموت جوعا ومرضا، بل تعدت ذلك إلى أهداف تحقيق أكبر شرخ بين الشعب والنظام من جهة وتحقيق هجرة كبيرة للكفاءات العراقية الطبية والعلمية والهندسية والإدارية وغيرها إلى خارج العراق بحثا عن سبل عيش أكثر سهولة من العراق المحاصر والخروج من خوانق مهلكة سببها الحصار، وهناك خارج الوطن يتم الإجهاز المخابراتي على المهاجرين في مختلف الدول العربية والأجنبية حيث إما يجندون ضمن ما يسمى بالمعارضة ومعسكرات التدريب الخاصة بها في دول أوروبا المختلفة وبعض الدول العربية أيضا أو إن لم يجندوا فإنهم يجهزون نفسيا وماديا للعودة للعراق بعد الغزو والاحتلال ليشكلوا حواضن للأحزاب وللعملية السياسية الاحتلالية قبولا وإدامة. وهذا ما حصل فعلا. إن غزو العراق واحتلاله لم يحصل له مثيل لا في فترة الإعداد والتجهيز ولا في ما بعد الغزو العسكري، وعليه فإن البحث عن حلول لإنقاذ العراق يجب أن تتوقف طويلا عند الحل العسكري بالمقاومة المسلحة حتى لو دامت مئة سنة .