أخيراً، وبما يشبه الفال السيئ، قررت الحكومة اللبنانية ممثلة بوزير الاقتصاد فيها، مواجهة ما أسماهم الوزير "مافيات المولدات" الكهربائية مشدداً على ( حتمية ) التزامهم بقرار وضع العدادات للمشتركين تحت طائلة وضع اليد على المولدات وتشغيلها بإشراف وزارتي الاقتصاد والداخلية، في الوقت الذي رفض أصحاب المولدات ما صدر عن الوزير مهددين برفع دعوى جزائية عليه رافضين مسمى "المافيا" على أعمالهم ومؤكدين أن مسألة تركيب العدادات ليست بالسهولة التي يراها الوزير، الأمر الذي أدخل اللبنانيين في سجال داخلي جديد قطباه وزارة الاقتصاد وأصحاب المولدات، في حين دخل شهر تشرين الأول ( أكتوبر ) كمهلة أخيرة للالتزام بتنفيذ القرار، والأمور ما زالت تراوح مكانها وسط أكثر من تساؤل وعلامة استفهام حول ما يجري. انطلاقاً مما تقدم، لا بد من التطرق إلى مسألتين أساسيتين ينبغي الإضاءة عليهما وسط هذه "المعمعة" الكهربائية المتعبة التي تخللتها فضيحة وازنة من الفضائح "المافيوزية" التي تعوَّد عليها اللبنانيون وصارت أمراً واقعاً في حياتهم اليومية: 1- بداية، لا مناص للمواطن للبناني، ولأي طبقة اجتماعية انتمى، إلا القول: أنا مع الدولة اللبنانية وأجهزتها الأمنية الشرعية عندما تحزم أمرها وتقول الأمر لي إزاء أية قضية عامة يفيد منها اللبنانيون، فكيف إذا كانت القضية تلك تقع في صلب الهموم اليومية لمعاناتهم وهم يدفعون فاتورتين: رسمية لكهرباء لبنان وغير رسمية لأصحاب المولدات، حيث تضاهي الثانية أضعاف أضعاف الأولى مما يدفعه المواطن من أموال، وتلك لعمري، تجربة، على وزارة الاقتصاد تطبيقها بحزم فتقرن أقوالها بالأفعال كي لا تهتز صورتها أمام مواطنيها، أن لم تكن قد اهتزت، والأيام القادمة ستثبت مدى جدية الوزارة والمدى الذي سيؤول إليه رفض أصحاب المولدات. 2- إزاء ما تقدم، لا بد من الوقوف أمام مخاوف اللبنانيين في نفس الوقت، من تجربة تركيب العدادات الكهربائية خشية "شرعنة" عمل المولدات وتكريسها أمراً واقعاً في ظل عدم اتضاح مصير الخطة الكهربائية التي أعدتها الوزارة أولاً، والاتهامات المتبادلة بالعرقلة والتواطؤ والتباطؤ والسرقة بين الأطراف السياسية مجتمعة، ثانياً، لاسيما بعد أن تبخر الوعد بتأمين الكهرباء على مدار الساعة في العام 2015 وليس في الأفق أية مشاريع بديلة عن الكهرباء المستجرة من البواخر، التي يمدد لها العام تلو العام، بينما الوعد الجديد بإنشاء معامل جديدة يجد أمامه العشرات المعشرة من العثرات والمطبات الروتينية. إلى ذلك، لا بد من التطرق إلى الفضيحة المرافقة لتركيب العدادات وإِفراد الحيِّز الأهم لها في هذه العجالة، بعدما بدأت وسائل الإعلام تعمل على تخطيها أن لم يكن تجاهلها هذه الأيام ونعني في ذلك، الإخبار المقدم إلى النائب العام التمييزي في لبنان ضد أشخاص مجهولين يعملون على تمرير صفقة شراء عدادات للمولدات باعتبار ذلك جرماً كبيراً يحاك للشعب اللبناني قبل أن تعمد الدولة إلى تأمين الطاقة الكهربائية للمواطنين تكون قد فتحت أبواب السمسرة والصفقات حيث أنه بالنسبة للعدادات : "بتاريخ 6/2/2018 اشترت شركة لبنانية مليون عداد كهرباء من فرنسا من الشركة المصنعة في بوردو، علماً أن هذا العداد اصبح خارج الخدمة، في فرنسا لأنه يتم استبداله بنوع ( أخر ) Linky والملفت بالموضوع أن الشركة اللبنانية يملكها بعض الوزراء والنواب اللبنانيين، وهناك اسم أحد المستشارين بإحدى الدوائر الكبرى ضالع بالصفقات ومقرب من مرجع كبير. والغريب أن هذا العداد، ستلزم الدولة اللبنانية كل أصحاب المولدات بتركيبه والزام الشعب اللبناني بأسره بشرائه وقد كانت الدولة تعد اللبنانيين 24 ساعة / 24، فهل سيتحرك القضاء تجاه هذه الصفقة المدوية، كما جاء في ختام الإخبار مطالباً باتخاذ الإجراء القانوني اللازم وإحالة المتورطين والمشتركين معهم بصورة عاجلة دون استثناء لملاحقتهم بالجرائم التي سوف يثبتها التحقيق / بيروت في 13/8/2018 ( انتهى ) إنه، وفي الوقت الذي تشتد المطالبة الشعبية بالتحقيق الشفاف والسريع في مضمون هذا الإخبار، وتحويله في حال التأكد منه، إلى قضية رأي عام أخلاقياً ومالياً وقانونياً، ينبغي السير بها كواحدة من معارك الوطن ضد الفساد ومراوحه وأجنحته المتعددة الأشكال الألوان، فإن وزارة الاقتصاد مطالبة بتوضيح أسباب تراجعها نسبياً أمام أصحاب المولدات، تارة بالحديث عن مفاوضات معهم، وتارة أخرى بوضعها مبلغاً مقطوعاً ثابتاً على كل فاتورة شهرية وزيادة نسبة تكلفة الكيلوات بمقدر الربع والثلث عما كانت تقدره وزارة الطاقة شهرياً لبدلات الاشتراكات الشهرية ربطاً بسعر المحروقات نزولاً وصعوداً، فضلاً عما طرحته الوزارة مؤخراً بوضع مئة ألف ليرة لبنانية كتأمين الزامي يدفعه المشترك لصاحب المولد عن كل خمسة أمبير، ( لتبلغ قيمتها مجتمعة فوق 45 مليون دولار تذهب لجيوب أصحاب المولدات ) يضاف إليها 75 الف ليرة عن الخمسة أمبير المضافة، يستردها المشترك في حال أوقف اشتراكه، ( هذا اذا قدر على استرداده ولم تتكرر تجربة المبلغ المدفوع إلى شركتي الخليوي فيما مضى ) ويخصمها صاحب المولد عليه في حال تمنع عن الدفع، مع التأكيد على صاحب المولد عدم استيفاء التعرفة الشهرية مسبقاً وتركها لما سيصدر عن العداد من أرقام. غير أن المؤسف في كل ما تقدم، هو التجاهل التام لدور مصلحة حماية المستهلك اللبناني إزاء ما يتم من مفاوضات بين وزارة الاقتصاد وأصحاب المولدات، وكأنه مطلوب تغييب المصلحة الشعبية الحقيقية الضائعة بين تشديد الوزارة وتحدي "دولة المولدات" وبالتالي صار من المفروض إدخال المجتمع الأهلي على خط المفاوضات بين الطرفين دفاعاً عن مصلحة المواطن الذي لم يعد أمامه أي خيار بين العتمة أو تجنبها سوى أن يدفع أفدح الأثمان.