لقد دعا حزب البعث منذ البداية الى الحياد وبفعل الزمن والأحداث المحلية والدولية ، اتخذ هذا الحياد شكله الإيجابي القائم الآن لدى عدد كبير من الشعوب الاسيوية والافريقية . وهذا الحياد الايجابي لايجد مبرراته في الدواعي السياسية والاقتصادية وحدها ،بل يبرره ايضا موقفنا من مشكلة الحرية في الصراع الدولي السياسي والعقائدي المحيط بنا ... وقيام جبهة كبيرة من شعوب العالم بسيادة الحياد ،وهو رفض للحرب واعتراف بضرورة السلم وأن النجاح الذي حققته سياسة الحياد حتى الان هو دليل واضح على وجود نقص أساسي وخطر كبير في سياسة المعسكرات والانقسام المذهبي الضيق . فسياسة الحياد الايجابي تعني التطلع إلى موقف جديد شامل يرتفع فوق التضاد بين الاشتراكية والرأسمالية ويتعمق في المشكلات الانسانية والعلاقات الدولية أكثر من ذي قبل مستفيدا من جميع التطورات والتبدلات التي تمت منذ وضعت نظرية التضاد هذه ،وخاصة منذ تبلور الانقسام والصراع بين المعسكرين الشرقي والغربي ... وبالتالي فان هذا الموقف الجديد يشترط التحري التام من كل نظرية مذهبية بغية اعادة النظر في جميع النظريات والمذاهب وفي الخطط والأساليب المستمدة منها ... والفهم الدقيق لسياسة الحياد يقتضيها أن تتوافق مع المراحل الطبيعية الضرورية لنضج النضال القومي في كل نواحيه . واذا كان أول واجباتنا أن نعبيء كل القوى الممكنة لإنهاء الاستعمار وتحقيق الاشتراكية في اسرع وقت فان هذه السرعة ليست غاية في ذاتها ، ولايجوز أن ندفع ثمنا لها الارتماء في المعسكر الشرقي ، متجاهلين ضرورة نضج الشعب في نضاله ،هذا النضج الذي يضمن له وحده النضج في حماية مكاسبه .... وموقف الحياد الايجابي هو أيضا موقف حضاري جديد وخلاق لا يقبل التعصب الاعمى لمذهب معين ولا العداء الاعمى لنظام او فلسفة معينة ومهمته هي منع انفجار الصراع بين الديمقراطية بمعناه العميق الشامل وبين العدالة الاجتماعية .