نتائج الدراسة مقاربة بين تقديم الدعم الإيراني والثمن المطلوب في ختام دراستنا هذه، وبعد تحليل النماذج التي نشرها البعض تأييداً للدور الإيراني في الوطن العربي، وجدنا أنها تستند إلى عدد من الأسباب التي دفعت بهم إلى تأييد ذلك الدور. ونرى باختصار أن تلك الأسباب تنحصر في مسألتين أساسيتين، وهما : غياب الدور العربي وتراجعه عن الاهتمام بالقضايا القومية ودعمها. الأمر الذي دفع بإيران للادعاء بانها تنوب عن العرب، أنظمة رسمية وأحزاب وحركات تحرر ، بتقديم ذلك الدعم المحدود ، ومن ثم ممارسة حق الوصاية اضعافاً مضاعفة تحت تلك الذريعة . وهنا، هل يمكننا مقاربة تلك الأسباب من قضايا الدعم، الذي قدمته أميركا وحلفاؤها الغربيون، إلى ما كانت تُسمَّى ( المعارضة العراقية ) ، وما كانت تُسمى ( المعارضة الليبية ) ، في مواجهة ما يزعمون أنه ديكتاتورية الأنظمة التي كانت تحكمهما؟ في الواقع الجواب هو نعم وعلى عدة صعد هي : - اولاً : ان أميركا قدَّمت دعماً لما يسمى بـ ( المعارضة ) ، ولكن لم يعمد أحد إلى تعريف تلك المعارضة، والبحث عن مقاصدها ، وهل كانت تلك المقاصد وطنية بالفعل؟ وليس لدينا أكثر دلالة من أن تلك المعارضات كانت كـ ( أحصنة طروادة ) استعانت بها أميركا، وقدَّمت الدعم لها، لتمرير أهدافها الخطيرة في الاستيلاء على الوطن العربي. والواقع الأليم والمزري لوضع العراق وليبيا بعد إسقاط ما زعموا أنه ( ديكتاتورية النظامين ) ، لدليل واضح على خبث أميركا وسذاجة من صدَّقها، ومن صفَّق طرباً في لحظة إسقاطهما. فكانت النتيجة مجزية لمصالح أميركا وحلفائها، التي حصدت استيلاءاً كاملاً على النفط العراقي، والنفط الليبي ، مدمِّرة في نفس الوقت مصالح العراقيين والليبيين على شتى الصعد وفاتحة الامن القومي العربي للاختراق على مصراعيه . - ثانياً : نعم قدَّم النظام الإيراني دعماً لبعض القوى السياسية العربية، ومن ضمنها حزب الله في لبنان، ولكنه في المقابل حصد نفوذاً كبيراً في إعلانه بيروت إحدى العواصم الأربعة التابعة للإمبراطورية الفارسية. والحبل على جرار المصالح الإيرانية في لبنان في إبقاء ( وتد جحا ) جاهزاً كذريعة للتدخل في شؤون لبنان والمنطقة. وهذا الذي ينطبق أيضاً على دعم بعض فصائل المقاومة الفلسطينية للمحافظة على ( وتد جحا ) في القضية الفلسطسنية. ودعم حركة الحوثيين للحصول على ( صنعاء ) عاصمة من عواصم الإمبراطورية. ودعم النظام السياسي في سورية للحصول على ( دمشق ) عاصمة أخرى تابعة للبلاط الفارسي. أما ما حصده من تقديم الدعم لما يزعم البعض أنه كان ( معارضة عراقية ) للنظام الوطني قبل الاحتلال والممثلة بحزب الدعوة، اضافة الى الميليشيات المسلحة الأخرى ، فكان الشيء الكبير، وهو إعلان ( بغداد ) أهم العواصم الأربعة التابعة لنفوذه والاستحواذ على ميزانية العراق وموارده الضخمة منذ 2003 ولحد الان عبر منظومات فساد لم يشهد لها التاريخ مثيلاً . وهذا ما لم يكن يحلم بالحصول عليه لولا وسائل الخداع التي سلكها، من المشاركة مع أميركا التي يسميها هو نفسه ( الشيطان الأكبر ) في احتلال العراق أولاً، ولما قدَّمه من مساعدات لمن خانوا وطنهم من العملاء ثانياً. - ثالثاً : وعليه فإذا كان تقديم الدعم الإيراني لبعض الأحزاب والفصائل العربية، المشكوك بانتمائها القومي العربي، أو المشكوك بوعيها لخطورة ما خطط له النظام الإيراني، سبباً لتأييدها، فإن تقديم الدعم الأميركي لفصائل أخرى بالمقابل يجب أن نقابله بالشكر لأميركا ايضاً . فلكل ذلك، نعتبر من وجهة نظرنا، أن ما استند إليه البعض من أسباب تبرر تأييدهم للنظام الإيراني، هو باطل، ولا يصب في مصلحة الأمة العربية، بل هو تشجيع للعدوانية الإيرانية ومشروعها الاستعماري التوسعي في الاستمرار بتفتيت الوطن العربي على قدم المساواة مع ما تقوم بتنفيذه أميركا من مخططات التقسيم والشرذمة وتشجيع الاقتتال الداخلي ، بل انه اليد الضاربة للاخيرة في هذه المرحلة ، كاحد مراحل تحقيق المشروع الصهيوني الكبير وقيام اسرائيل الكبرى على اطلال ما سيتبقى . أن التقصير العربي بحق القضايا العربية ، وهو حاصل فعلاً في هذه المرحلة ، هو ليس تقصيراً دائماً وتاريخياً، لان المواقف العربية قد تضمنت الكثير من المحطات التاريخية المشرقة كما ورد ذلك في مراحل سابقة من هذه الدراسة. وبالتالي، فان هذا التقصير لا يجيز على الإطلاق، الاستعانة بقوى خارجية لها أطماع واضحة في الوطن العربي، كالنظام الإيراني أو النظام التركي، أو ان يكون مبرراً لها. لأنه بالاستعانة بطامع في الاستيلاء على الوطن العربي، نكون كمن ينقل الوطن من خطر صغير إلى خطر أكبر منه بكثير. وإذا كنا لا نستطيع أن نردع ذلك الخطر في المرحلة الراهنة التي تمر بها الأنظمة الرسمية والحركة العربية الثورية بوهن تارة ولا مبالاة تارة اخرى ، فإنه من العار أن نستسهل مكافحة الداء بفيروسات أكثر خطورة وأشد فتكاً وإيلاماً. وإن التصدي الحقيقي يكون برفض الاستعانة بمن في نفسه طمع ، والوعي كل الوعي للشروط التي يطلبها، والمصالح الاقتصادية والسياسية والامنية الهائلة التي يحصل عليها مقابل نتف الدعم التي يقدمها . كما ان علينا بالمقابل العمل على التحريض من جهة اخرى ونشر الوعي لخلق أجواء تستعيد فيها الحركة الثورية دورها وتمسك بزمام المبادرة من جديد. خاصة وأن صفحات التاريخ المشرقة تحمل بذور الثورة لتحول دون الوقوع في أعاصير اليأس الذي لن يداوي قضية . وأن نحرص كل الحرص عن الابتعاد عن مداواة أنفسنا بمن كانت هي الداء. وأخيراً، ولأننا حفظنا الدور الأميركي الخبيث وكشفنا بوضوح عن أهدافه ووسائله وتحالفاته الخفية المغايرة لتلك المعلنة ، نختتم هذه المقالات بإعادة التذكير بما يخبئه لنا النظام الإيراني من عوامل العداء، ومن النوايا المبيَّتة، وهي تتلخص بالعناوين الرئيسية التالية : - ان النظام الإيراني يعلن عداءه الواضح للقومية العربية، لأنها تعيق تنفيذ مشروعه في إعادة أمجاد الإمبرطورية الفارسية، التي يستخدم فيها شعارات بناء الحكومة " الإسلامية" العالمية كغطاء لتلك الاهداف القومية الفارسية البحتة ، لاعباً بها على عواطف بعض المسلمين في العالم بشكل عام، وعواطف بعض العرب بشكل خاص. - ليست المساعدات التي تُقدَّم إلى بعض العرب هي المقياس للحكم على مصداقية إيران، بل الحكم عليها يجب ان يكون من خلال التساؤل عن الثمن المطلوب تسديده لقاء تلك المساعدات . ولا ننسى أن الثمن الذي قبضته حتى الآن هو عواصم أربعة، هي : بغداد ودمشق وبيروت وصنعاء . والثمن المؤجل هو الوصول إلى مكة المكرمة ، والمدينة المنورة ، والرياض ، والمنامة، ودبي، وعُمان ، وعمَّان، والقاهرة، والخرطوم، وطرابلس، وتونس، والجزائر، والمغرب.... - ان تقديم المساعدة لحزب الله في لبنان لا يجيز لإيران إعلان بيروت أحد العواصم الأربع التابعة للإمبراطورية الفارسية. والاستمرار بفرض وصايتها على لبنان، ورسم مستقبله السياسي، وتحديد هوية النظام الأفضل للحكم فيه. - إعلان إيران أن أميركا ( الشيطان الأكبر ) يتناقض مع تعاونها معه في احتلال العراق باعتراف وتصريح أكثر من مسؤول إيراني قائلين : ( لولا طهران لما استطاعت أميركا احتلال كابول وبغداد ) . وفي هذا ما يكشف عن الكثير من الأهداف المبيَّتة والمعلنة للنظام الإيراني، وسعيه للوصول الى اهدافه التوسعية حتى ولو تعاون مع كل شياطين الأرض على شرط أن تساعده للوصول إلى أهدافه الأيديولوجية المرسومة، وكل ذلك على حساب مصالح العرب. وهذا ما تؤكده كل وقائع احتلاله للعراق بالنيابة عن أميركا، التي وكَّلته الإمساك بالعراق بعد إعلان هزيمتها في أواخر العام 2011، وفي هذا ما يؤكد ثقة الشيطان الأكبر بوكيله النظام الإيراني.