أزمة حقيقية تلك التي يمر بها الواقع التعليمي في العراق الآن ، فمنذ احتلال البلاد عام 2003 ومستوى التعليم في تدني واضح وانحدار كبير ، بعد أن كان قبلة المتعلمين ومنارة العلم ، ومصدرا للثقافة والمعرفة تنهل منه الدنيا كلها ... أكثر من خمسة عشر عاما من الاهمال الحكومي لقطاع التعليم ، كانت كفيلة بتراجع ذلك القطاع الى أدنى مستوياته ، حيث كان الفشل والتخبط سمتان بارزتان في تعامل حكومات ما بعد الاحتلال المتعاقبة مع هذا الملف الحيوي ... ان التراجع الكبير في مستوى التعليم بعد الاحتلال حصل نتيجة سياسات فاشلة تعاملت بها الحكومات التي جاءت على ظهور دبابات الاحتلال الأمريكي ، فالاهمال الحكومي أدى الى مكابدة الطلبة للعديد من المشاق من أجل استكمال دراستهم ، حيث تبدو المدارس في جميع محافظات القطر متهالكة رغم التخصيصات المالية الكبيرة التي خصصت لها وذهبت في الأخير لجيوب الفاسدين من الساسة الحاليين ... فوضع المدارس في بغداد والمحافظات يرثى له ، كما ان العجز الحكومي عن توفير المناهج في المدارس دفع بأولياء الأمور الى ترك المدارس الحكومية والاتجاه للمدارس الخاصة وتحمل نفقات الدراسة الباهظة من أجل تعليم أبنائهم ... ان تدني مستوى التعليم كان من أسبابه أيضا الاعتداءات المتكررة على الكوادر التدريسية ، حيث تكررت حالات الاعتداء في ظل الانفلات الأمني التام ، وفرض الميليشيات الطائفية السائبة سيطرتها على المدن ، وعجز الحكومة الحالية عن توفير الأمن لهذه الكوادر ... ان الوضع الحالي للتعليم في العراق وما وصل اليه من تردي كبير لا يمكن تفسيره بعيدا عن فساد واهمال ما يسمى بوزارة التربية والذي تجلى في النقص الكبير في الكتب المدرسية وعدم توزيعها على الطلبة مما أدى الى لجوء الطلبة لشراء تلك الكتب من المكتبات ، فمستقبل آلاف الطلاب بات مهددا ، والتعليم الذي يعتبر من المؤشرات المهمة لرقي المجتمعات وتطورها والرقي بثقافتها يبدو أنه سيستمر في تراجع مستواه في ظل السياسات الفاشلة للحكومات المتعاقبة واهمالها لهذا الملف الهام في بلد مثل العراق المعروف على مر التأريخ ببلد العلم والعلماء .