نحن نعرف مقتدى الصدر معرفة دقيقة وعميقة قبل عام الفيل 2003، وبالتالي فإننا لا نستغرب كل ما قام به وما سيقوم به من جرائم ضد شعبنا سبقتها خيانة استقرت منهجا ينهل منه ليلا نهارا وترافقت باستمرار بصفة غدر أقرب ما يكون إلى غدر الأفاعي والضباع والمخلوقات التي فقدت الغيرة والمروءة وشرف الرجال والوطنية. نحن نعرف أن العلاقة بين مقتدى الصدر وبين هادي العامري وفيلق الغدر بدر ليست وليدة الانتخابات الأخيرة وما تلاها من حراك الأفاعي. ولنعد إلى الوراء إلى عام الفيل 2003 حين دخلت قوات الغزو ومعها دخلت أحزاب إيران ودخل فيلق الغدر بدر من إيران ودخل آخرون خلف دبابات الغزو من جهات مختلفة كل حسب منبت خيانته وعمالته وارتزاقه، ومباشرة بعد وصول دبابات الاحتلال إلى بغداد بدأت تظهر على المشهد الخياني مختلف الشخصيات والجهات التي قبلت الغزو وخططت للظهور في واجهة ذلك المشهد لتأخذ حصتها من ( الكعكة ) والغنائم وكل حسب ما أنيط به من دور. فالبعض توجه للبنوك وشركات الإنتاج الصناعي لينهب ممتلكاتها، وآخرون اكتفوا بسرقة أسلاك الكهرباء وأنابيب المياه وحديد الشبابيك وطابوق الجدران المهدمة، وآخرون ركبوا خيول ( المهدي ) وتوجهوا للاقتتال على إدارة العتبات المقدسة في كربلاء والنجف بشكل خاص في الوقت الذي بدأ وكلاء ( المرجعية السيستانية ) باستلام السير الذاتية لمن تقدموا لشغل مناصب محافظ وأعضاء في ما سمي بمجالس المحافظات. كنا نرى العراق كمثل ما قيل عن جمل سقط فتكاثر الذباحون وتكاثرت السكاكين. وكان أول سماع لنا بــ ( جيش المهدي ) كطرف من الطافحين على زبد المشهد والمتقاتلين بضراوة على السيطرة على عتبات النجف وكربلاء مع ميليشيات علي السيستاني التي سرعان ما ظهرت بصيغة شرطة حماية المراقد، وسمعنا حينها عن قبول بول بريمر ومباركته لميلشيا بدر القادمة بأسلحتها ومعداتها من إيران وكذلك مباركته لميليشيا جيش المهدي المصنوعة داخليا. قد تكون هناك تفاصيل غاطسة قبل هذا الإيجاز وأكثر منه، ولكننا هنا بصدد إعادة التذكير بما هو مفيد لنصل إلى لب القضية : * إن مقتدى الصدر قد ولد إسما وميليشيا وظهر مع أيام وأسابيع الغزو الأولى وكان لافتا أن يٌتّهم من القريبين منه رغم الزي الذي يغطي به جثته العفنة ( الزي الديني الطائفي ) بعملية اغتيال عبد المجيد الخوئي القادم مع الاحتلال وحيدر الكليدار في مرقد الإمام علي عليه السلام. وهنا تبرز دلالة خطيرة تقدم صفة عامة من صفات مقتدى ومفادها أنه لص من جهة و قاتل من جهة أخرى ومثار خلاف وربما تنافس دموي من ومع الذين يرتدون ذات الزي الطائفي الذي يرتديه من ناحية ثالثة. * مقتدى الصدر جزء لا يتجزأ من عقيدة ( الولاية ) وعقيدة الولاية هي غطاء المشروع القومي الفارسي لإقامة الامبراطورية الزرادشتية الكسروية الجديدة. والإعلان والتخفي خلف عمامة ( شيعية ) يرتديها مقتدى الصدر يكمله من طرف آخر العسكرة والتجند السافر لهادي العامري في منهج الولاية داخل إيران ومن أيام الحرب العدوانية الإيرانية على العراق. والمقصود بالولاية الحقيقية هي ولاية الفقيه الفارسي حصرا ومحركات هذه الولاية وميكانيكاتها هم آيات الله يتقدمهم الولي الفقيه ويكمله الآخرون بصيغة تكامل لا تقتضي التطابق في الجزئيات بل يكفي أن تتطابق في الإيمان بالولاية وخط سيرها وسبل تحريك أذرعها داخل وخارج إيران. لقد أعلن والد مقتدى الصدر عن انتمائه السافر إلى ولاية الفقيه وعن كونه هو الممثل لها في العراق وتحدى الدولة والحكومة والجيش وأجهزة الأمن العراقية بكل قوتها وسطوتها المعروفة بدفع من أطراف حوزوية كانت تتهمه بالجنون وبالإفتاء الفاسق وغير المنضبط والمتفنن في نزواته والتهديد الذي مثله لتلك الأطراف بعد أن تشكل التيار الصدري واتسعت شعبيته بتأثيرات وعوامل سياسية ومخابراتية عراقية داخلية. ولقد دٌفع والد مقتدى من قبل أعدائه في الحوزة ومن قبل كبار المراجع ليسفر عن عدائه للعراق وللنظام الوطني لكي تختلط أوراق تصفيته وتختلط الأقاويل حابلا بنابل عن الجهة التي قتلته فتلصق التهمة بالحكومة العراقية لأنه يهاجمها رغم أن مقتدى بنفسه يعرف أن الحكومة قد أدركت اللعبة وبلغت والده بأنه مستهدف وأنها بصدد حمايته لكي لا تلتصق بها دماؤه غير أنه رفض وشتم من جاؤوا ليبلغوه مخاطر حقيقية تحيط به من قبل زملائه في الحوزة. ولقد كان والد مقتدى يعادي العراق داخل العراق ويعلن عن ولائه وانتمائه للولاية الإيرانية في الوقت الذي كان فيه هادي العامري جنديا يقاتل العراق مع إيران في جبهات القتال للغرض ذاته ولنفس الهدف الأهم لإيران ولأذنابها وهو هدف بلوغ الولاية الكسروية. * وبين مقتدى الصدر وهادي العامري تنافس فرضته طبيعة حقبة ما بعد غزو العراق. تنافس على إغراق العراقيين بالبؤس والشقاء والجوع والفاقة وانعدام الأمان، وفي هذه اللجة من البؤس يجر البعض من العراقيين مرغمين إلى الانتماء إلى فيلق الغدر بدر والحشد الفارسي وتيار الصدر وما يتفرع عنه من ميليشيات. والتنافس الذي نشير إليه لا يقتصر على هذه الجزئيات الإجرامية فحسب، بل تحركه وتغذيه عقدة عند هادي العامري مردها أن تيار مقتدى الصدر لديه خلاياه قبل الغزو ولديه بعض الجمهور في حين بدأ هادي وجلاوزته بالبحث بكل الوسائل عن مؤيدين وأنصار وجمهور بعد دخوله من إيران تزامنا مع الغزو المجرم. ثمة مفارقة في تحالف ( سائرون ) الصدري مع ( فتح ) العامري وهي مفارقة قد تكون فريدة في حيثياتها ودلالاتها ( الديمقراطية ). فسائرون تشكيل ميليشياوي أذرعه جيش المهدي وسرايا السلام وتشكيلات أخرى ميليشياوية انشقت عن مقتدى الصدر من جهة، وفتح هي الأخرى كتلة للحشد الفارسي ومن مكوناتها فيلق الغدر بدر الإيراني. وكلتا الكتلتين بكل مكوناتهما بعيدتان كل البعد عن وصف سياسي محدد مثل الأحزاب والتيارات السياسية التي تتنافس عادة في الانتخابات في العالم. المفارقة هنا أننا إزاء كتلتين ميليشياويتين وليست أحزابا ولا تيارات سياسية ولا تمتلكان برنامجا سياسيا ولا عقيدة سياسية غير عقيدة ( الولاية الإيرانية ) وهي عقيدة تبعية وولاء وانصهار بالامبراطورية الفارسية تحت غطاء مذهبي تشوبه الكثير من الالتباسات العقيدية وتلتبس حقيقة صلته بالدين الإسلامي الحنيف. فتحالف فتح والسائرون هو تحالف ميليشياوي خالص ولعلها المرة الاولى في العالم التي تفوز بها ميليشيات تابعة لدولة إيران، فالدورات الانتخابية السابقة كان فيها حزب سياسي تابع لإيران هو حزب الدعوة، وبذلك فإن الانتخابات الأخيرة تستقر على نتيجة فريدة إلى جانب نتائجها الغرائبية الأخرى، وهي أنه في حال تشكل حكومة من هذا التحالف فإنها ستكون أول حكومة ميليشياوية بعد الغزو وتشير إلى انحدار مريع جديد للعملية السياسية الأمريكية التدميرية في العراق. وإذا كان العالم كله يعرف السيرة الذاتية العامة وبعض تفاصيلها لهادي العامري وهي سيرة خيانية وعميلة ومجرمة قاتلة إيرانية خالصة وبامتياز ويعرف أيضا أن هادي العامري مكشوف الاتجاه والوجهة والولاء وهو يعلن ويعتز بإيرانيته ويتفاخر بكونه أحد أذرع المشروع الفارسي في العراق والوطن العربي، فمن هو مقتدى الصدر؟؟ هل يعرف الصدريون من هو مقتدى الصدر؟ هل هو سياسي أم رجل دين أم رجل ميليشيات؟ هل هو قائد تيار أم خطيب جمعة؟ هل هو فيلسوف أم فارغ المحتوى والمضمون؟ هل هو صاحب خط مبدئي عقائدي ديني سياسي اجتماعي ومصلح وثائر أم صاحب مكتب جباية؟ الجواب اليقين، هو ألا أحد يمتلك إجابة محددة لهذه الأسئلة وعشرات غيرها. فمقتدى .. وفي الوصف الرئيسي، رجل متقلب المواقف، وصاحب مزاج حاد وعدواني، يركب موجة جهل وبلادة وشذوذ وتحشيش وعاصفة انحلال قيمي وأخلاقي يتصف بها أنصار تياره من القتلة وممتهني الإجرام والفساد. مقتدى عديم المواهب وركيك المدارك وضعيف القدرات العقلية والذهنية وهذا هو السبب الأهم في تقلباته. وقد تكون تقلباته مرسومة من إيران. فهو يعلن أنه ضد الطائفية وهو مجرم طائفي من الطراز الأول. ويعلن أنه منفتح على مختلف التيارات وهو لا يعرف انفتاحا حقيقيا سوى الانفتاح على إيران ومنهج ولايتها الكهنوتي. ومقتدى يعلن أنه عراقي وهو في حقيقة الأمر يمزق العراق مع الممزقين منذ صار راقصا من راقصي العملية الاحتلالية التدميرية ومنذ أصبح أبوه وكيل الولي الفقيه ومرجع خطة تصدير ثورة خميني للعراق. فصباحا يؤيد مقتدى بقاء العبادي في رئاسة الوزراء لمنحه فرصة استكمال ما بدأه ومساء ينقلب علىه. صباحا هو مع كتلة النصر ومساء مع كتلة الحكمة. ويتغدى ظهرا مع علاوي ويعتبر الصلة بكتلته وطنية استراتيجية وليلا يشى بعلاوي ويهشم عظامه. تحالف مع الشيوعيين وهو يعلم أن وزنهم الانتخابي لا يساوي عفطة عنز وبعد الانتخابات ركلهم وكأنه لم يتبجح بالانفتاح على ( اليسار). وغير هذا كثير وكثير، مما يثبت أن الرجل محض لعبة. بل هو مكوك بيد الفرس يحركونه بكل الاتجاهات ويستخدمونه لاقتحام أي غرفة مغلقة وليعرفوا كنه ما فيها أو إن كان فيها سر غامض على سليماني وخامنئي. مقتدى الصدر، وكما وصفناه مرارا، غادر ماكر يمثل يدين وقدمين لجمجمة فارس ومشروعها المغطى بالتشيع وهو في حقيقته كسروي زرادشتي مجوسي قومي فارسي.