للتبسيط، يبدو الصراع في العراق وكأنه محصور بين الأحداث التي تحصل ضمن إطار ما يسمى بالعملية السياسية وداخلها وبين مكوناتها التي منحها بول بريمر ودستور الاحتلال فرمانات التحكم بالسلطة وبطريقة توحي وكأن الحل الوحيد في العراق يكمن داخل هذا القفص أو قن الدجاج ( القن : حفرة صغيره تغطى بالطين لإيواء الدجاج وحمايته من البرد القارس ) ولا حل غيره. وهناك من العراقيين من يتنفس خارج هذا الفضاء الموبوء ويعمل ويتحدث ويكتب ويصرح بأن الحل في العراق يمر عبر طريق واحد فقط هو إسقاط هذه العملية الاحتلالية المخابراتية وإقامة سلطة وطنية وإنتاج دستور وطني وتكييف أوضاع البلاد للخلاص من سرطانات الطائفية والمحاصصة والاجتثاث والفساد الذي ضرب كل مفاصل الحياة الاقتصادية والسياسية والاجتماعية بقوة السلاح. بكلمات أخرى، إن خلاص العراق يمكن أن يأتي من تداعي وانهيار العملية الاحتلالية من الداخل نتيجة الصراعات السرية والعلنية بين أطراف الخيانة فيها وحقيقة اللا توافق واللا إنسجام وعدم الثقة والتقاطعات الحادة بين أطرافها، ويمكن أن يتم أيضا عن طريق المقاومة الوطنية التي تمارس أنشطة متنوعة تتراوح بين السياسية والمدنية الخالصة وبين الاستخدام المشروع للسلاح. ولعل التفكير العلمي المنطقي السليم يقود إلى طرح ضرورة أن يجد أبناء العراق الغيارى فرص ربط الخطين بطريقة بارعة وذكية وهو أمر لا نظنه بعيدا عن الذكاء الميداني لرجال العراق حيث أن هكذا تداخل بين منهجي إسقاط العملية الاحتلالية يمكن أن ينتج عنه تقليل كلفة التحرير الناجز عبر تقليص زمنها اللازم. وحيث أن ما يعنينا ليس هو تحليل وتفكيك المحنة لا لأننا تحت وطأة نيرانها الحارقة فقط بل لأننا نبغي إدراك السبيل للخلاص الوطني التام ونبغي إنقاذ شعبنا، لذلك فإننا لا ننتهي عند منطقية التحليل والإدراك الحسي بل نريد لهذا التحليل والإدراك الحسي أن يصير منارا لدروب الخلاص ميدانيا. فمن سيصدر بيان الإنقاذ: تناقضات وتقاطعات وشللية ومحدودية القدرة على الاستجابات التي تتسم بها العملية الاحتلالية أم سطوة المعارضة والمقاومة؟ من سيصدر بيان تخليص العراق وحماية وحدته والعودة به إلى السيادة؟ الحراك الثوري الواعي المؤسس على ايديولوجية ثورية مجربة وخبرات سياسية وحواضن شعبية رصينه لا يسقط أي عامل وديدنه في العادة رسم خارطة ملونة ويضع تعريفا لدلالات كل لون من حيث الأرجحية والمدى الزمني ومن حيث الدرجة المطلوبة للتفاعل مع الألوان الأخرى المتداخلة في عملية الثورة التحررية الشعبية، وهذا يعني أن الرهان على تفكيك وهدم العملية الاحتلالية بمعاول أدواتها أمر مطلوب وضروري ويتطلب رؤية مرنة وحكيمة لكيفية اختراقها والعبث بمكوناتها وتشديد وتعظيم معضلاتها وتقاطعاتها وفشلها بفسادها وباطلها الذي يتفاعل عميقا داخل أدواتها مهما تظاهروا ومهما حاولوا تمثيل دور الضبع المنتصر بقوة غيره. إن تحرير العراق من الاحتلال الإيراني وما تبقى من بؤر الحماية الأمريكية للعملية السياسية والمليشيات الفارسية يقتضي أن يكون اللون والمنهج المرجح للوصول إلى لحظة صياغة وإذاعة بيان التحرير هو المقاومة المسلحة وما تقتضيه وتتطلبه من حشد سياسي وإعلامي وتوفير مستلزماتها الاجتماعية والمادية والتي هي بكل تأكيد ليست غائبة رغم العبث اللئيم الذي أدخلته داعش ومن أوجد داعش، ولكنها تحتاج إلى إعادة ترتيب وتعبئة، ولعل أهم ما تحتاجه هو الإعلان عن بدء انطلاقها من جديد كما وعد الرفيق الأمين القائد الأعلى للجهاد والتحرير المجاهد عزة إبراهيم. إن انطلاق القاومة بصيغها المعروفة قد يكون دافعا للكثير من أبناء شعبنا للالتحاق بها لأنها علامة عظيمة على تجدد الآمال وانتعاشها بتحرير البلاد والعباد وطرد من صاروا وحوشا متوحشة وكيانات فساد متعفن في إدراك وبصر شعبنا. وانطلاق المقاومة المسلحة بالصيغة التي تراها القيادة البطلة للجهاد والتحرير سيكون لها انعكاسات فورية على الأرجحيات الأخرى ومنها بالذات أرجحية تفتيت العملية السياسية من داخلها. وعند تعاضد الخطين مع الفعل المرجح لأحدهما سيكون أحرار العراق هم من يذيعون بيان التحرير والنصر الناجز بإرادة شعبنا الحر الأبي، فالعراق لا تليق به إلا السيادة الكاملة والقيادة الوطنية الشريفة النجيبة والله هو المستعان.