في خطوة تبدو جديدة ومفصلية توجهت القيادة الفلسطينية مؤخراً للجنائية الدولية وسلمت المدعية العامة هناك طلب إحالة من دولة فلسطين تطالب بفتح تحقيق شامل وفوري في الحالة الفلسطينية وتحديداً جرائم الحرب والإبادة الجماعية والجرائم ضد الانسانية وجرائم التطهير العرقي قديمها وحديثها المتصلة مباشرة بمنظومة الاستعمار الاستيطاني الصهيوني الفاشي ومختلف سياساته العنصرية والاجرامية بحق فلسطين أرضاً وشعباً..حيث يأتي هذا الحراك الفلسطيني تجاه القانون الدولي في اعقاب الجرائم البشعة التي إرتكبها جنود الاحتلال بحق متظاهرين سلميين إنطلقوا في مسيرات العودة والزحف العظيم والتي راح ضحيتها أكثر من مائة شهيد بضمنهم أطفال وشيوخ ومقعدين واّلاف الجرحى الذين تعرضوا لإصابات خطيرة وقاتلة تسببت في إعاقات جسدية وتشوهات مستديمة أثارت معها حفيظة الرأي العام العربي والاسلامي والدولي الذي أدان بشدة جرائم الاحتلال وإستخدام جنوده المفرط للقوة بحق مدنيين عزل. إن إنضمام فلسطين للعديد من المنظمات الدولية وبضمنها الجنائية الدولية يعد من الناحية السياسية إنجازاً هاماً ويشكل هذا الأمر أيضاً رافعة حقيقية للكيانية الفلسطينية بين الكيانات الدولية المعترف بها, مع علمنا ويقيننا أن ما تحقق في هذا الإطار لا يعدو كونه أكثر من انجازات معنوية لا تفيد أبدا واقع الأمر المرير الذي يعيشه شعبنا الذي خبر فشل كل المنظمات الدولية التي عجزت على الدوام عن توفير أدنى حماية له في مواجهة جرائم الاحتلال المستمرة منذ سبعة عقود ,وفشلت أيضاً في التعاطي مع حقوقه المشروعة والمغتصبة ومحاولة إنصافه..ليس هذا فحسب بل شاهدنا بأم أعيننا كيف نشطت تلك المنظمات في البلدان المعادية لأمريكيا والصهيونية وكيف تعاملت بحزم منقطع النظير ضد الحكم الوطني في العراق الشقيق الذي شكل على مدار عقود منصرمة صخرة كأداء تحطمت على أهدابها كل المؤامرات الصهيونية الامبريالية الخبيثة التي إستهدفت القضية الفلسطينية والأمة العربية. إن المغالاة في الرهان على الجنائية الدولية والمنظمات الدولية كمن يدور في حلقة مفرغة وخصوصاً ونحن ندرك تمام الإدارك مدى هيمنة الولايات المتحدة الامريكية ومعها الصهيونية العالمية على مختلف تلك المنظمات والهيئات ,وكذلك سيادة نظام القطب الواحد الذي يجعل من الجنود المجرمين الأمريكيين والإسرائيليين فوق القانون وفوق الملاحقة والمسائلة القانونية الدولية ..وليس أدل على ذلك جرائم الإبادة الجماعية السابقة والمستمرة واللاحقة التي إقترفتها دولة الاحتلال وعصاباتها الموغلة بالدم الفلسطيني والعربي , وانظروا أيضاً الجرائم البشعة التي إرتكبها الجنود الأمريكيين والبريطانيين بحق الشعب العربي العراقي قبل الغزو وبعده والتي راح ضحيتها ملايين الشهداء وملايين المهجرين والمعذبين والمسجونين ..وهنا شاهد العالم على الملأ كيف تعامل الأمريكيون مع السجناء العراقيون في معتقل أبو غريب والتي أظهرت الوجه الإرهابي الحقيقي للولايات المتحدة وربيبتها إسرائيل التان تستندان لسياسة غطرسة القوة وأخلاق مصاصي دماء البشرية والذين يفلتون على الدوام أيضاً بعد إرتكاب جرائمهم من الملاحقة والمسائلة القانونية الدولية , وأصبحت معها المنظمات الدولية أمام هذه الوقائع مجرد شاهد زور يعمي العيون إزاء ما يتعرض له شعبنا الفلسطيني من مجازر وحشية وينهض بهمة ونشاط وفتح العيون جيداً عندما يسقط قتيل واحد في الجانب الصهيوني أوالأمريكي. إزاء ما تقدم فإنه بات من الواضح أن الإكتفاء بإستجداء المنظمات الدولية لتوفير الحماية لشعبنا لم ولن يفيد وخصوصاً ونحن نشهد كل يوم تصاعد في وتيرة جرائم المستوطنين وجنود الاحتلال والعصابات الصهيونية بحق شعبنا الأعزل..وأمام هذا الواقع الخطير بات لزاماً على قيادة شعبنا ومختلف فصائل المقاومة الفلسطينية العمل من جديد على خلق معادلة توازن الرعب التي من خلالها يستطيع شعبنا الرد بالمثل بل وأشد إيلاماً وقد خبرت دولة الكيان إمكانات شعبنا في هذا المجال وتحديداً في انتفاضة الأقصى الثانية حين رأيناها تقف عاجزة ومشلولة أمام إصرار أطفالنا على تفجير أجسادهم في المرافق الصهيونية ووسط جنود الاحتلال,ويعلم العدو أيضاً أن شعبنا لن يستسلم للاّلام والأوجاع ولديه القدرة الفائقة على إبتداع وسائله النضالية المناسبة لكل زمان ومكان ولن يعدم الوسيلة أبداً في التصدي لعنجهية وصلف الاحتلال ,فهو شعب الجبارين وشعب الحجارة ومفجر ثورة السكاكين والدهس والدعس ..انه الشعب المصمم أبداً على مواصلة الكفاح والنضال حتى إنتزاع كامل حقوقه المغتصبة.