المقدمة : لكل الأحزاب الثورية نظرية هي نتاج دراسة القوانين المحركة للواقع دراسة علمية تحليلية ومن هذه الأحزاب حزب البعث العربي الاشتراكي الذي اكتشف نتيجة دراسته إن الأسباب التي تقف وراء ما تعانيه الأمة العربية من انحطاط وتدهور هو الفقر والجهل والمرض والمستعمر الطامع بخيرات هذه الأمة وبالوقت نفسه فقد تأكد من دراسته إن الأمة العربية هي من الأمم الحية التي ستنهض سريعا إذا ما توفرت لها أسباب النهوض فكان أن خرج البعث بنظريته التي يعتقد بأنها ستكون من المرتكزات التي سترتكز عليها الأمة في نهوضها ولخص نظريته بشعاره ( امة عربية واحدة ذات رسالة خالدة ) وبأهدافه الإستراتيجية وهي ( الوحدة والحرية والاشتراكية ) ، وبما إن النظرية بحاجة إلى أن تنقل إلى حيز الواقع أي إلى التطبيق العملي فقد عمل الحزب وعلى مدى الأعوام الذي حكم فيها العراق من العام 1968ـــ2003 نقل النظرية إلى الواقع العملي كتطبيق ، ومن البديهي فان هناك جدلية فالواقع سيغني النظرية وقد تصطدم هذه النظرية بالواقع الذي يرفض البعض منها، وهنا لا نريد التحدث عن النظرية البعثية والتطبيق لما لها وما عليها ، إن ما نريد تسليط الضوء عليه هو الناقل الذي يضطلع بدور مميز وهو التنظيم الحزبي الذي يترجم النظرية الى الواقع العملي وينقل الدروس المستنبطة من الواقع لإغناء النظرية. التنظيم هو نظام القيم والعادات والتقاليد والطقوس والرموز السائدة بين أعضاء الحزب بدعم من النظام الداخلي والدستور ومدى الالتزام بهما، والالتزام هو من يميز تنظيم حزب البعث العربي الاشتراكي عن غيره من التنظيمات الأخرى . وتعتبر الثقافة التنظيمية عنصرا مهما في التأثير على السلوك التنظيمي. وتختلف النظرة للثقافة التنظيمية، حيث يتعامل معها البعض باعتبارها عاملا مستقلا. والنظر للقيم بأنها تنتقل بواسطة العاملين إلى التنظيمات كأحد نواتج التنظيم المتمثلة بالقيم، واللغة المشتركة, والرموز والطقوس المختلفة التي تتطور مع مرور الوقت. وتؤكد هذه النظرة على أهمية الإجماع والاتفاق على مفهوم الثقافة التنظيمية وجزئياتها المختلفة من قبل القيادة والقاعدة. فالثقافة التنظيمية عنصر أساسي موجود جنبا إلى جنب مع مكونات التنظيم الأخرى من الأعضاء والأهداف والهيكل التنظيمي. ووفقا لهذه النظرة فان من الضروري إدارة الثقافة التنظيمية بشكل يحقق الأهداف التي يسعى إليها التنظيم . إن إمكانية حدوث الصراع داخل التنظيم قائمة ولان الصراع ظاهرة طبيعية في حياة الأفراد والجماعات والمنظمات والمجتمعات على حد سواء إذ أن الصراع إحدى الإفرازات الاعتيادية للتفاعل الاجتماعي القائم بين الأعضاء كالتعاون والمنافسة والمهادنة والتقليد والمحاكاة ..الخ، وهو من الظواهر الطبيعية في العلاقات والتفاعلات الاجتماعية، ونظرا لكون طبيعة الأعضاء تستدعي التطور والتغير ولأن الاستقرار والثبات حالة غير طبيعية ولذا فان الصراعات غالبا ما ترافق التغيرات الحاصلة في مجمل العلاقات السائدة . وقد يتعامل مع الثقافة التنظيمية باعتبارها تتشكل وتتطور بشكل تدريجي، وقد تكون ثقافات متعارضة ما بين الحلقات الفرعية في التنظيم وما بين الثقافة التي تتبناها القيادة العليا، لذا يقتضي بذل جهود التقريب بين هذه الثقافات توخيا لسلاسة العمل وتقليل التناقضات ما أمكن الأمر . ما الذي نعنيه بالثقافة التنظيمية ؟ هي البرمجة الفكرية ، خاصة بأعضاء التنظيم الحزبي ، يعملون في بيئة معينة ، حيث يبحث عن التلاؤم أو التكيف معها ) ، يتضح أن الثقافة التنظيمية أحد عناصر البيئة الداخلية للتنظيم الحزبي ، محصلة للعلاقات المتكررة بين الأعضاء، والتي تشكل أنماط سلوكية للنظام التنظيمي ، الذي يكيف الأعضاء مع متطلبات العمل التنظيمي من خلال تلك البرمجة الفكرية، وهذه البرمجة الفكرية هي نمط من الافتراضات الأساسـية، الـذي ابتـدعه و طوره التنظيم الحزبي خلال مسيرته النضالية ليكون السبيل للإدراك، والتفكير والإحساس في كل ماله علاقة بالمشاكل التي تنشأ جراء العمل . أن الثقافة التنظيمية هي كل ما يشكل هوية التنظيم، ويميزه عن غيره ثقافيا، بما يحقق التماثل بين أعضاءه في السلوكيات الموجهة في حل المشكلات التي تواجه أعضاء التنظيم كتجمع هادف. أن الثقافة التنظيمية بمكوناتها تفيد في توجيه السلوك في حل المشكلات الداخلية و الخارجية للتنظيم في اتخاذ القرارات المناسبة ،وتعني الأنماط، والتكون، والممارسات التي تحدث أثناء العمل الحزبي ، وقد تكون نتيجة للأعضاء أنفسهم، أو نتيجة الأنظمة والقوانين، والأعراف . إن من أهم ما يجب أن يشيع في الثقافة التنظيمية هو : - الإبداع والمخاطرة : أي درجة تشجيع الأعضاء على الإبداع والمخاطرة، حتى يكونوا مبدعين ولديهم روح المبادرة، والمدى الذي يكون فيه الأعضاء جسورين و يسعون للمخاطرة. - الانتباه إلى التفاصيل : الدرجة التي يتوقع فيها من الأعضاء أن يكونوا دقيقين منتبهين إلى التفاصيل. - الانتبـاه نحو النتـائج : درجة تركيـز قيادة التنظيم على النتائج ، وليس العمليات المستخدمة لتحقيق هذه النتائج. - التوجه نحو الأعضاء : درجة اهتمام القيادة بتأثيرها على الأعضاء داخل التنظيم. - العدوانية : درجة عدوانية الأعضاء وتنافسهم، لا سهولة، ولا ودية التعامل معهم. - درجة وضوح الأهداف والتوقعات من الأعضاء : أي مدى توجه التنظيم في وضع أهداف وتوقعات أدائية واضحة. - درجة التكامل بين المنظمات المختلفة في التنظيم للعمل بشكل منسق، و درجة التعاون و التنسيق بين مختلف وحدات وأقسام المنظمة - مدى دعم القيادة العليا للأعضاء ، في قدرتها على توفير اتصالات واضحة، و مساعدة ومؤازرة الأعضاء الفاعلين. - مدى الرقابة المتمثلة في الإجراءات والتعليمات، وأحكام الإشراف الدقيق على الأعضاء . - مدى الولاء للمنظمة الرئيسية وتغليبه على الولاءات التنظيمية الفرعية الذي يعبر عن الشرعية الحزبية. - طبيعة أنظمة الحوافز والمكافآت، فيما إذا كانت تقوم على الأداء أو معايير الوساطة. - درجة تقبل الاختلاف بسماع وجهات نظر المعارضة، أي درجة تشجيع الأعضاء على إعلان الانتقادات وفق مبدأ النقد والنقد الذاتي وبصورة مكشوفة والتسامح. - طبيعة نظام الاتصالات وفيما إذا كانت قاصرة على القنوات الشرعية التي يحددها نمط السلم الحزبي، أو نمط شبكي يسمح بتبادل المعلومات في كل الاتجاهات كالاتصالات الجانبية المقيتة. - درجة المبادرة الفردية أي مستوى المسؤولية وحرية التصرف الممنوحة للأعضاء. - طبيعة صنع القرارات و أسلوب اتخاذ القرار، بالمشاركة أو بطريقة فردية. تلعب الثقافة التنظيمية دورا حيويا في نجاح أو فشل التنظيم، بتأثيرها على العناصر التنظيمية والأعضاء في التنظيم ، أن سر نجاح التنظيم في سيطرته و سيادته. اتخاذ القرارات : تقسم حالات اتخاذ القرارات إلى ثلاثة حالات رئيسية، وذلك وفقا إلى توفر أو عدم توفر معلومات وهذه الحالات هي : 1 ـ اتخاذ القرارات في حالات التأكد: في ظل حالات التأكد يتوافر لدى القيادة العليا كافة المعلومات اللازمة عن عناصر تقييم البدائل المتاحة، وتستطيع القيادة أن تحدد كافة المعلومات اللازمة عن كل بديل والمتعلقة بعناصر المفاضلة بينها، حتى يتمكن من تقدير الترتيب النسبي لكل بديل وتحديد مساهمة كل بديل وتحديد مساهمة كل بديل في تعظيم النتائج المرجوة. 2 ـ اتخاذ القرارات في حالات عدم التأكد: أحيانا يتوافر لدى متخذ القرار معلومات عن النتائج المحتملة لكل بديل من البدائل المتاحة، وهذا يعني عدم التأكد من نتائج عناصر تقييم كل بديل، وهنا تزداد المشكلة تعقيدا، حيث أن القيادة لا تتمكن من جمع المعلومات الكافية عن البدائل المتاحة، حتى تتمكن من اختيار البديل الافضل، ويتطلب الأمر في هذه الحالة الاعتماد على مزيج من الخبرة الشخصية والحلول الذاتية وأسلوب المحاكاة، حتى يستطيع التنظيم من التغلب على حالات عدم التأكد والوصول إلى اختيار البديل الأنسب وتجنب مشكلة الاختيار الخاطئ. 3 ـ اتخاذ القرارات في حالات المخاطرة: في حالات المخاطرة يواجه متخذ القرار مشكلات تتعلق بتقدير نتائج كل بديل من البدائل المتاحة وفقا لعناصر التقييم المختلفة، فالقيادة لا تستطيع أن تلم بجميع جوانب المشكلة وتحديد بدقة نتائج كل بديل ،نظرا لعدم توفر المعلومات الكافية ، وبذلك تزداد درجة المخاطرة في تحديد النتائج المتوقعة من كل بديل. ويتوقف النجاح في اتخاذ القرار واختيار البديل الأحسن على مهارات وخبرات القيادة وكذلك الاستعانة والمشورة مع أعضاء القيادة العليا. العوامل المؤثرة في عملية اتخاذ القرارات في التنظيم يعتبـر اتخاذ القرار جوهر عمل القيادة ونقطة الانطلاق بالنسبة لجميع الأنشطة التي تتم داخـل التنظيم ، وتزداد أهمية القرارات كلما كبـر حجم التنظيم ، وتعقدت وتشعبت نواحي أنشطته. هناك عدة عوامل تتأثر بها القرارات من بينها : - العوامل الخارجية : يمثل التنظيم جزء من تنظيمات الحزب، فهو يتأثر مباشرة به، ومن بين العوامل الخارجية التي تؤثر على عملية القرارات هي العوامل الاقتصادية، السياسية والاجتماعية، القيم والعادات والقوانين الحكومية والرأي العام، وكذلك السياسة العامة للحزب. - تأثير البيئة الداخلية : ومن العوامل التي تؤثر على اتخاذ القرار تلك التي تتعلق بالهيكل التنظيمي، وطرق الاتصال، وطبيعة العلاقات الإنسانية السائدة وإمكانية الأعضاء، وقدراتهم. كما أن نوعية القرارات تتأثر بالقيم والمفاهيم التي يعمل ضمنها المسؤولين في التنظيم لمواجهة المشاكل التي تستدعي الحل . - العوامل النفسية : أن أهمية الجوانب النفسية لمتخذي القرار،من بين أهم العوامل المتحكمة في سلوك القائد المتخذ للقرار، ولذلك يصبح تأثيرها سلبيا إذا اتخذ القرار تحت ضغوطات نفسية، حيث أن هذه الضغوط تؤثر على حرية القائد في اتخاذ القرار فتصبح حرية القائد مقيدة بهذه الضغوط. - توقيت اتخاذ القرار : يعتبر عامل الوقت من العوامل الرئيسية في عملية اتخاذ القرارات في التنظيم الحزبي ، خاصة وأن كثير من القرارات لها تأثير كبير على روح العمل بالتنظيم - المعلومات والقرار : تتأثر القرارات التي تتخذ من المنظمة سلبا أو إيجابيا، بالبيانات والمعلومات والحقائق التي تتواجد، والمتعلقة بالمشكلة المراد اتخاذ القرار بشأنها . - أهداف التنظيم : مما لاشك فيه أن أي قرار يتخذ وينفذ لابد وأن يؤدي في النهاية إلى تحقيق أهداف التنظيم ، فأهداف التنظيم هي محور التوجيه الأساسي لكل العمليات فيها، لذلك فإن بؤرة الاهتمام في اتخاذ القرار هي اختيار أنسب الوسائل التي يبدو أنها سوف تحقق أهداف التنظيم الإستراتيجية أو التكتيكية. - الثقافة السائدة في الحزب والتنظيم: تعتبر ثقافة الحزب وعلى الأخص نسق القيم من الأمور الهامة التي تتصل بعملية اتخاذ القرار، فالتنظيم لا يقوم في فراغ وإنما يباشر نشاطها في الحزب ، ومن ثم فلابد من مراعاة الأطر التنظيمية والثقافية للحزب عند اتخاذ القرار. - الواقع ومكوناته من الحقائق والمعلومات المتاحة : لا يكفي المحتوى القيمي أو الأخلاقي كما يسميه البعض بل يجب أن يؤخذ في الاعتبار الحقيقة والواقع وما ترجحه من وسيلة أو بديل على بديل. فالقرارات هي شيء أكبر من مجرد افتراضات تصف الواقع لأنها بكل تأكيد تصف حالة مستقبله هناك تفصيل لها على حالة أخرى وتوجه السلوك نحو البديل المختار،ومعنى هذا باختصار أن لها محتوى خلقي بالإضافة إلى محتواها الواقعي. الخاتمة : تعتبر الثقافة التنظيمية كمدخل لزيادة فعالية القرارات بكل أنواعها، ويمكن أن يتم ذلك عن طريق بناء ثقافة تنظيمية قوية تركز على سمات مميزة ، ويأخذ الحزب والتنظيم بها إلى حيز التطبيق وفقا لما يلي : تحليل الثقافة الحالية ، تحديد التغير المطلوب ثم تقيم برنامج التغير وتنفيذه ثم تقيمه، مع ضرورة استثمار عناصر القوة في الثقافة التنظيمية السائدة بالحزب كسمة المنافسة الموضوعية بما يدعم كفاءة قرارات، دعم خاصية الابتكار وكذلك خاصية العمل الجماعي ،و دعم وترويج ثقافة المعرفة التنظيمية، وأساليب توفيرها للاستفادة منها بما ينعكس على أداء المنظمات الحزبية ، و التأكيد على ضرورة إتباع المنهج العلمي عند صناعة قرار وخاصة فيما يتعلق بـ : وجود سياسة واضحة ومفهومة بكيفية فحص بدائل القرار،ووضع معايير واضحة يجب الالتزام بها بما يتعلق بإنجاز مرحلة الاختبار بين البدائل، ووضع سياسة واضحة للمتابعة وتقييم قرارات المتخذة، والاستفـادة من التغذية المرتدة خاصة من جانب أعضاء التنظيم لإدخالها ضمن تعديلات القرار، والتأكيد على ضرورة توافر بعض السمات الثقافية مثل : الابتكار ، جماعية العمل، المشاركة ، إبداء الرأي، المنافسة، المخاطرة ...