كان غزو العراق واحتلاله في نيسان ـ ابريل .. 2003 آخر ما تعرض له العراق المعاصرمن مؤامرات وعدوان وكوارث اكثر دماراً ووحشية مما حصل له طيلة تأريخه الطويل ، وبالأخص بعد خلو الساحة امام الولايات المتحدة كقوة وحيدة منفردة لانتهاء الحرب الباردة بانهيار الاتحاد السوفيتي ومعسكره ، معلنة زعامتها المطلقة وبدء القرن الأمريكي الاستعماري الجديد! وكانت الاحداث قد تسارعت بالاجتياح السوفيتي لأفغانستان الذي كان انتحاراً وايذاناً بتفتت الاتحاد السوفيتي بعد الانسحاب ! وافتتح القرن الامريكي بالعدوان والاحتلال للصومال وافغانستان ويوغسلافيا والعراق ،اذ شهدت الشرق الأوسط اندلاع حرب الثمان سنوات بين إيران والعراق بعد مجيء نظام خميني في ايران والبدء بتنفيذ مشروعه التوسعي، وانتهت بعكس ، ما تمنوه لها ، اذ صمد العراق واجبر خميني بالانكفاء داخل حدود ايران وقبول وقف الحرب الذي كان عليه اشد مرارة من تجرّع السم ،فدفعوا الى احداث الكويت وفرض على العراق حصار جائر استمر اكثر من 12 عاماً ،وشن الامريكان ومعهم جيوش 33 دولة ابشع عدوان عام 1991 قصفت فيه كل البنى التحتية من مصافي النفط ومحطات الكهرباء وتصفية المياه والاتصالات ومصانع الادوية والبتروكيمياويات وكل المعامل والجسور والمراكز الحيوية ،بأكثر من 110 ألف طن من القنابل التي قدرت بما يعادل 7 قنابل مما ألقي على هيروشيما ،فضلاً عن ألقاء 860 قذيفة يورانيوم مخصب لتلوث البيئة لمئات السنين ،وتمثلت البشاعة في "مجزرة طريق الموت" التي استغل فيها انسحاب القوات العراقية من الكويت لتقصف ارتال المنسحبين على مدى 10 ساعات من التدمير والقتل والحرق ،فبعد ان دّمرت البنية التحتية بالكامل وتم اضعاف العراق! وما حصل كان مخططاً له اذ كانت الولايات المتحدة تبحث عن تأمين متطلبات زعامة العالم الجديد المتمثلة بتوفر الأموال والطاقة النفطية والتمركز الجغرافي الملائم ، وكانت الأنظار والافواه الفاغرة لحكام وجنرالات وصهاينة واشنطن تتجه صوب المنطقة العربية ( الشرق الأوسط ) فهو محور الاستراتيجية الامريكية الاقتصادية لاعتبارين أساسيين هما: الثروة النفطية والمعدنية وقد حدد هنري كيسنجر نفط العرب! بقوله " النفط اكثر أهمية كسلعة من ان يترك بيد العرب"!؟ والموقع الجغرافي للشرق الاوسط كرابط بين البحار والمحيطات !فهدف الامريكان وكل الطامعين والمعادين وعلى رأسهم الصهاينة .. العراق ونفطه الغزير الى جانب الثروات الأخرى فضلاً عن موقعه الاستراتيجي باعتباره قلب العالمين العربي والاسلامي، وتعززت حاجة القرصنة الامريكية لفرض زعامتها للعالم، وحل مشاكلها الاقتصادية والداخلية ،الى كميات هائلة من النفط والتي لا تتحقق الّا باحتلال آبار النفط والسيطرة على مصادر الطاقة !والنفط العراقي هو الأفضل والانسب للمستعمر الأمريكي الجديد، كونه مصدراً نفطياً هائلاً ورخيص الكلفة ! فالعراق يطفو على بحيرة من النفط اذ تبلغ نسبة الاحتياطي النفطي العراقي الحالي حوالي 5 .112 مليار برميل ،وهو ما يعادل نسبة 12% من مجمل الاحتياطي العالمي ،وستتضاعف النسبة في حال استغلال النفط الغزير داخل الأرض اذ توقفت التنقيبات النفطية في العراق منذ عام 1980 ، كما ان كلفة استخراج النفط العراقي لا تتجاوز 1 دولار للبرميل لقربه من سطح الأرض قياساً بكلف النفط الأمريكي التي تتراوح بين 7 ـ 10 دولار ،ونفط قزوين بين 7 ـ 8 دولار، يضاف الى ذلك انخفاض انتاج النفط الأمريكي مع ارتفاع معدل الاستهلاك اذ تستورد 60% من احتياجاتها النفطية ، فالاحتياطي النفطي الأمريكي ليس قليلاً حسب وانما يهدد بالنضوب في غضون عقدين ! ووفقاً للعديد من المحللين الاستراتيجيين الامريكان ومنهم ( مايكل هدسون ) فان احتلال العراق اقرته بشكل نهائي استراتيجية الامن القومي التي تبناها الرئيس بوش عام 2002 كأساس في متطلبات زعامة العالم ،والعراق مهيأ بعد ان انهكه الحصار واكثر من عدوان مسلح مدمّر، وقد فشلوا في الاحتلال المباشر واجبروا ، تحت ضغط وضربات المقاومة العراقية الباسلة ،على الانسحاب عام 2011 ولكنهم لم يفقدوا السيطرة عليه ولم ينسحبوا بالكامل وابقوا عدداً من قواتهم ليستمر الاحتلال بثوبه الجديد المتمثل بأقامة القواعد العسكرية وضمان سلطة تابعة ومطيعة والتحكم بأبرز ثروات البلد ونعني به النفط من خلال الاستفراد بصناعة النفط من التنقيبات الجديدة وأنشاء المحطات والتجديد والإصلاح وامتصاص اغلب الواردات بالعقود الاستثمارية وصفقات الأسلحة والتكنلوجيا الضرورية وتكبيل البلاد بقروض باهضة وطويلة الاجل لاسيما وان السنوات الفائتة من عمر الاحتلال قد دمرّت كل البنى التحتية وافرغت السرقات والفساد، الخزينة ليصبح العراق الغني ، مديناً ونسبة كبيره من شعبه تحت خط الفقر إضافة الى ارتفاع نسب البطالة والامية و العودة به الى عصور التخلف والتأخر ،فالسيطرة على النفط العراقي هو الخطوة الأساسية في الاحتلال والذي يعني التحكم بأسعار النفط وبدول العالم فضلاً عما يشكله من قيمة مضافة للتداولات المالية ،ولعل اهم الدوافع في استهداف العراق بالذات..هو الحقد الصهيوني الدفين تجاه العراق وشعبه ، فمنذ السبي البابلي لليهود في عصر ملك بابل العظيم نبوخذ نصر الثاني ، ينظر الصهاينة الى العراق على انه "حضارة خطيرة بقدر ما هو جبار وغني وعظيم ،وروح متحفزة يجب عدم الضعف امامها، وان احتلاله والسيطرة عليه تعني السيطرة على العالم لـ 200 سنة قادمة ؟!" وكانوا يرون في عراق قوي بقيادة زعيم عربي عظيم مثل صدام حسين هو" نهوض جديد لبابل " وهذا ما ارعب الصهيونية وكان دافعاً اساسياً لما حلّ بالعراق من تدمير واحتلال وتهديد فعلي لأي نهوض بابلي ! كما ان الولايات المتحدة وحلفاءها وابرزهم بريطانيا لن يتخلوا ، بسهولة، عن العراق لموقعه الجغرافي الهام وطمعاً بنفطه وثرواته ، والاقتصاد الأمريكي والشركات الكبرى ، حسب رأي أصحاب القرار في أمريكا ،اكثر حاجة من غيرها لأموال العراق في حملات اعمار مدنه المدمرة والاستثمارات ،كما هي بحاجه له سياسياً وموقعاً هاماً في خدمة استراتيجيتها إزاء الشرق الأوسط وفق خارطة التقسيم الجديدة ..ولكن هذا يتطلب عراقاً مستقراً امنياً واقتصادياً ؟! وواقع الحال في العراق غير ذلك فما زالت البلاد تغرق بدماء أبنائها ويعمها الفساد والافقار والتخلف رغم مرور 15 عاماً على قيام سلطة الاحتلال في بغداد، كما ان تحقيق الهدف الأمريكي يتعارض واطلاق يد نظام ملالي طهران في العراق واحتلاله و4 عواصم عربية حسب الخطاب السياسي الإيراني المعلن واستمكان واستقواء طهران حد تهديد الولايات المتحدة بـ "شن الحرب عليها بشباب واموال العراق في حال انسحاب واشنطن من الاتفاق النووي الإيراني "؟! وكذلك ما يمثله موقف طهران المخالف لمواقف واشنطن مما يحصل في سوريا واليمن! وحتى الان ليس هنالك ما يشير الى ان الولايات المتحدة ستتحرك جدياً لأصلاح الوضع في العراق وإخراج ايران وبما يحقق امنه واستقراره !بل ان الواضح ، وهنا مكمن الخطورة،هو الخشية من بقائه على حاله المتردية في ظل رئيس مثل رونالد ترمب الذي رغم وعوده حول العراق وشدة خطابه ضد نظام طهران ووعيده وتهديداته بوزرائه الصقور المعروفين غير الراضين عن سياسة الملالي والاتفاق النووي ،فان استراتيجيته تقوم على : 1 ـ الاستحواذ على الأموال العربية ،الخليج والعراق خاصة، بالابتزاز او حماية الأنظمة او بالاستثمار وبالعقود والصفقات واقرب امثلته الـ 400 مليار دولار التي حصدها في زيارته للرياض ،وما تحقق ما يفوق ذلك خلال زيارة الامير محمد بن سلمان ولي العهد السعودي لواشنطن في 10 نيسان الجاري ، ومن توقيع عقود صفقات سلاح ومنها طائرات ام 16 التي تم التوقيع عليها خلال الزيارة الحالية لحاكم قطر الأمير تميم بن حمد ال ثاني وتقدر بمئات الملايين من الدولارات عدا ما تم رصده من موازنة مفتوحة لتوسيع قاعدة العديد الامريكية اكبر القواعد في قطر والخليج العربي ،وهي القاعدة التي تتحمل قطر كافة مصاريفها بما فيها التسليح ورواتب المنتسبين ؟!. 2 ـ سياسة ادامة زخم الصراع الطائفي والمذهبي وفقاً لمخطط تقسيم المنطقة الى كيانات هامشية ؟! . وايران حتى اليوم كانت المنفذ الأفضل لهذه السياسة لالتقائها مع مشروعها الطائفي بهدف إقامة امبراطورية فارس الكبرى، وبما ان السياسات غير ثابتة وتتحكم بها المصالح فان التلاقي بين طهران وواشنطن لن يكون طويلاً ،فالامريكان طامعون بنفط العراق ويخططون للتواجد الطويل وهذا ما أشار اليه ترمب لائما ً سلفه أوباما على انسحابهم من العراق ومتوعداً بحلب العراق بفرض تعويضات عليه لما فقدته أمريكا من قتلى واسلحة مع التكاليف الباهضة لحرب الاحتلال المباشر؟!وواشنطن تعلم ان ملالي ايران تجاوزوا الخط الأحمر فيما يخص العراق وسياستهم التوسعية التي تحرجهم مع حلفائهم من الحكام الخليجيين العرب بإعلان الاحتلال واعتبار بغداد عاصمة امبراطوريتهم الحلم! فضلاً عن التحكم بأموال ونفط العراق الى جانب ما يسرق ويهرب من النفط العراقي طيلة الأعوام الماضية الى جانب احتلالها لآبار النفط الحدودية العراقية وبما يحقق مئات المليارات ومنه تغطي طهران تخصيصاتها المالية والتسليح للمليشيات الإرهابية ومنها حزب الله اللبناني وادامة زخم حرب الحوثيين في اليمن وتمويل سياستها التوسعية وتطوير برنامجها الصاروخي ، والصرف على مساعيها السرية لصنع السلاح النووي !!فالتلاقي الأمريكي ـ الإيراني ظرفي ولابد ان ينفض بانتهاء المصالح الثنائية! ثم ان الصعوبات الاقتصادية التي تعاني منها الولايات المتحدة ،سبب اخر لعدم قبول ترمب ان تستفرد طهران بالنفط والأموال والثروات العراقية فضلاً عن الوضع الداخلي الإيراني المهدد بالانفجار اقتصادياً وسياسياً وعلى كل الأصعدة ! كما ان وضع العراق رهن بالتطورات المحيطة وان الشعب العراقي،وان طال صبره، لن يستمر بقبول ما يجري له ،وتأريخه يشهد له فكم كبوة اصعب ونهض منها لاسيما وان الرفض الشعبي للعملية السياسية المتمثل برفض التجديد للمرشحين والأحزاب والقوائم السابقة بل ابعد من ذلك التهديد بمقاطعة الانتخابات القريبة في تصاعد قد ينفجر بوجه السلطة يوماً ما ولن يكون بعيداً؟! فالوضع الراهن سيستمر لفترة أخرى ولا شيء يوحي بتغييرات سريعة قادمة ،ولكن الشرق الأوسط والمنطقة العربية مقبلة على تطورات واحداث خطيرة قد تقلب الطاولة على رأس ملالي ايران ،وقوى أخرى متنفذة؟!.