9 نيسان / أبريل / 2003 اكثر الأيام شؤماً في تأريخ العراق والإنسانية ،وجدتني محطماً من شدة العصف الذي شلّت فيه قدراتي وتوقفت لايام كل مؤشرات الذاكرة والاحاسيس وكانت القريحة اول من سرى فيها الشلل والجفاف وتشنج الأصابع ! فتلاشت ملكة الكتابة ،الاّ من خواطر وجدانية وتساؤلات آنية ،انفلتت مع الزفرات والحشرجات التي ضاقت بها الضلوع وأصطلت بحرارتها الاحشاء ، فأمتزجت الدموع مع مداد قلم وجدته عصياً غير ما عرف عنه نزفه المستمر.. درة الاوطان يذبح ومعشوقتي بغداد تدميها ايد عفنة وتجرحّها شماتة العذال!؟ وارضنا تدنس طهرها اقدام محتل باغ؟! لقد شرد الذهن واصاب الروح الجدب واسودّت الدنيا امام بشاعة ما يجري، والعالم والاشقاء غير مبالين وكأن من ينحر لم يكن عراق الحضارات ولا بغداد الرشيد ، ليسود عالم الولايات المتحدة ، عالم الغي والظلم والقوة والطغيان وسيادة شريعة الغاب ؟! كان الذهول والعذاب وانا أرى صورة مدللتي في قادم الأيام كيف ستذل وبلدي سيخرب وشعبي سيشرد وكيف ستلطخ ايامنا بالدماء الطاهرة وبغزارة ! فهل هو انتقام لنهضة بابلية جديدة ؟! لقد اوشك رأسي على الانفجار لما يصطرع في داخله من أفكار وتصورات واوهام وهلوسات لابد لها ان تخرج قبل ان تحطمني وانا بعيد عما يجري في غربتي التي زادت من اشتعال وحرقة الجوف، فمن يعيد لي مداد القلم العاق لأفرغ ما يخنقني وابث ما في الاعماق مما في القلب لهذا العراق العظيم الذي تناهشته خناجر الغدر والحقد والعداء فتراقصوا على جسده المسجى مبشرّين بـ "عراق جديد" سيكون الانموذج الديمقراطي الامثل في المنطقة ، ونصبوا " دمى خزافية " ممن جلبوهم من مواخير عواصم العالم حكاماً في السلطة التي اقاموا ! وقال من قائل: اصبروا فثمرات ديمقراطية العم سام في الطريق ؟ وصبر عراقنا " صبر ايوب" ليصحوا يوماً بعد آخر وسنة تلو أخرى على عراق غارق بالدماء وفاقد لآمنه وأمانه وسيادته، وثرواته نهب لمحتل معتد، وجار حاقد، وحكام جهلة و لصوص وقتلة! ،اين عراقنا الذي نعرف ، عراق ما قبل اليوم الأسود ،الذي سنظل له اوفياء مخلصين ،والذي كنا ومانزال نتغنى ، جذلين بعزّه ،ونتباهى ، شامخين بمجده ،ونفاخر، وهاماتنا في الذرى بعظمته، ونزهو، مبتهجين، بطيبة وغيرة ناسه، ونتحدى، واثقين، بصلابة وعزم وشجاعة رجاله الميامين ؟! وماذا يقول حكام الغفلة ، بعد حوالي 15 عاماً ! لم يتوقف فيه الانحدار نحو الظلامية؟! فالشعب يضام ويشّرد وانسانيته تسحق وحقوقه تهضم وكرامته تهان وثرواته تنهب وسيادته تنتهك وارادته تسلب ومن السقطات والكبائر ان يحكم من قبل الفرس المحتلين وميليشياتهم المجرمة !؟ ان تجربة عراق ماقبل الاحتلال و35 سنة من الحكم الوطني لم تكن خالية من الاخطاء ، ولكن ماحصل للعراق وشعبه في ظل ديمقراطية المحتل و سلطة العمالة في بغداد.. لايمكن ان يشّبه الا بالفترات المظلمة في تأريخ العراق ،لقد اضنانا الوجد والبعاد عن العراق الحبيب الذي طالت كبوته لهول ماتعرض له من عدوان بشع ، ولقسوة وحقارة وبذاءة عذّاله، وشماتة ودناءة ووحشية اعدائه، ،لقد طفح الكيل وبلغ السيل الزبى، ولابد لقلب مكلوم ان يتفجّر آلاماً وآهات وآنات لتمزق هذا الصمت المؤلم والجو الموحش الذي لن ينقشع الاّ بنهضة العراق واستذكارسنى نوره المشع! فالسواد لن يليق بعراقنا ولن يطول اكثر "فليل الهم يعقبه الصباح " .