حزب البعث العربي الاشتراكي ولد ولادة شرعية جراء معاناة وألم امة حية ، ولد البعث من رحمة الأمة وكان معبرا تعبيرا حقيقيا عن أحلامها وتطلعاتها وأمالها بمستقبل أفضل، تكون قادرة فيه على العطاء والإبداع كما كانت أيام الدولة العربية الإسلامية في ظل الخلافة الراشدة والدولتين العربيتين الإسلاميتين الأموية والعباسية. الأمة العربية من الأمم الحية التي لا تموت، قد تمر في مراحل انحطاط وتخلف وانكسار جراء الهيمنة الأجنبية عليها لكنها لا تموت فهي تنهض من بين الركام ، نهضت بعد الاحتلال ألصفوي والعثماني بخروفيهم الأسود والأبيض وغيرها من المسميات منتفضة لكن انتفاضتها أجهضت على يد الاستعمار الأوربي بعد الحرب العالمية الأولى وللأسباب المعروفة ،ثارت وطردت المحتل بعد الحرب العالمية الثانية، لكن ثوراتها أجهضت من جديد وللأسباب المعروفة أيضا ، قدمت الشهيد تلو الأخر في ثورتها ووثبتها وانتفاضاتها على طريق التحرر لتحقيق أهدفها في امتلاك الإرادة الحرة الواعية للشروع في مشروعها الحضاري والإنساني. ولد حزب البعث العربي الاشتراكي كمنظمة سياسية قومية شعبية اشتراكية انقلابية شعارها ( امة عربية واحدة ـ ذات رسالة خالدة )، وأهدافها الإستراتيجية،( وحدة ـ حرية ـ اشتراكية )، يقول الرفيق المرحوم ميشيل عفلق في 16 أيلول عام 1945 إجابة على سؤال لجريدة النضال : السؤال ـ ما لذي دفعكم لتأسيس حزب البعث العربي الاشتراكي؟ الجواب ـ ( الدافع هو شعورنا بالضرورة التاريخية، فالمجتمع العربي يقف اليوم على مفترق طرق. وهو أما أن يستمر في الطريق الذي يسيره فيه قادة السياسة الحاضرة، الذين يرضون بالواقع الفاسد فيستنكرون على البلاد هذا التقدم الضئيل وهذه النتائج الطفيفة التي انتهت إليها سياستهم في أربعين سنه، ويحكمون هكذا على الأمة بان تبقى متأخرة مهملة الوزن في العالم، وأما أن يوقف العرب هذا التدهور بنتيجة تحول عنيف، واستجماع للإرادة، ووعي الإمكانيات الحقيقية الكافية، فيسيروا في طريق جديد صاعد، يستمد قيمه وأحكامه وغايته من خصال العربي الأصيل، ومبادئ الرسالة العربية المتعالية على الواقع ونسبية أحكامه. هذا الطريق الجديد يقتضي ظهور قيادة جديدة تمثل جوهر الشعب لا ظاهره، ومستقبله لا حاضره، وبهذا المعنى يكون حزبنا حزب الجيل العربي الجديد، الزاخر بالأمل والنشاط، والمتطلع إلى مستقبل يليق بماضي أمته المجيد، وبحاضر الأمم القوية الراقية، والذي يريد أن تكون السياسة العربية رسالة لا حرفة ) قامت عقيدة البعث القومية على أسس ثلاث وهي إن الحزب عربيا، انقلابيا، شعبيا، عربي بمعنى انه لم يكتفي بإقرار الفكرة القومية بل جسدها في واقعه من خلال قيادة قومية تمثل اعلي سلطة في الحزب وتمثل تنظيمات الحزب المنتشرة في كل الأقطار العربية، والحزب يتعامل مع مشكلات الأمة العربية ككل لا يتجزأ، فهو لا يعالج المشاكل القطرية إلا على ضوء مصلحة الأمة العربية الواحدة، وقد ترجم الحزب ذلك عبر مسيرته في القطر العراقي قبل الاحتلال الذي جاء ليسقط تجربة البعث القومية لأنه وجد فيها التهديد الحقيقي لمصالحة في المنطقة العربية، والدليل على ذلك هوان القرار الأول الذي أصدره المحتل هو قرار ( اجتثاث البعث ). أما الركن الثاني في عقيدة البعث فهي إن الحزب لا ينظر إلى الأمور السطحية والعارضة في السياسة العربية وإنما يسعى إلى قلب أسس هذه السياسة، ويعتقد إن الإصلاحات الثانوية التي تنادي بها الحكومات العربية الحاضرة وتعتبرها رئيسية تتبع حتما ذلك الانقلاب، والانقلابية قد جسدها البعث في ظل حكمه للعراق عبر خمسة وثلاثين سنة فهو الذي أمم النفط وهو الذي قضى على الأمية وهو الذي اصدر بيان آذار وأعطى حقوق الأقليات في العراق وهو الذي قاد تنمية شاملة في كل الميادين وكان بحق انقلابا شامل على كل ما هو مألوف في حياتنا العربية المعاصرة الأمر الذي قاد إلى أن تتعرض تجربته إلى هجمة امبريالية وصهيونية وصفوية ورجعية. إن الأهداف والغايات التي حددها البعث والتي نشرها في العام 1946 في العدد الأول والثاني من جريدة البعث والتي نلخصها في النقاط التالية والتي نجد إن الضرورة تقتضي التعريف فيها بعد أن تعرض البعث إلى ما تعرض إليه عبر الماكينة الإعلامية الامبريالية والصهيونية والصفوية هي : 1ـ حزب البعث حزب عربي ليس في اسمه وفي غايته فحسب، بل أيضا في واقعه وتنظيمه وأسلوب عمله فتنظيمه في سائر الأقطار العربية وهو لا يعالج السياسة القطرية إلا من وجهة نظر المصلحة العربية العليا. 2 ـ هدفه تحرير العرب في جميع أقطارهم من كل أنواع الاستعمار الأجنبي، وتنظيم الأمة العربية في دولة مستقلة واحدة قائمة على فكرة القومية العربية في سبيل تحقيق النهضة الحديثة الشاملة وبعث الرسالة العربية الخالدة. 3 ـ الفكرة القومية العربية هي الإيمان العميق بأن الشعب العربي عريق بين الشعوب في نبله وتعشقه للحرية وان له عبقرية خاصة وحيوية متجددة تحفزه باستمرار إلى إظهار نشاطه وكفاءته في أعمال الفكر والعمران وميادين البطولة ليكشف عن عبقريته ويثبت شخصيته على أكمل صورة تتمثل فيها الإنسانية الصحيحة. 4 ـ العربي هو من كانت لغته العربية وعاش في الأرض العربية أو تطلع إلى الحياة فيها وتشبعت روحه بالقومية العربية والولاء الخالص للغة العرب وتاريخهم المجيد في الماضي، وكان في إيمانه بوحدة مصيره معهم يتشوق إلى مستقبل خليق بهذا الماضي، ولم يشرك في ولائه أمة أو فكرة أخرى ثم كانت أفعاله منسجمة مع عقيدته. 5 ـ غير العرب من الأقليات القومية التي لا يمكن أن تندمج في المجموع العربي وتستعرب بصورة تامة تخضع لقوانين خاصة تحدد حقوقها وواجباتها بصورة تمنعها من الإضرار بمصالح العرب. 6 ـ الشعب العربي مصدر كل سلطة لذلك وجب إلغاء كل ما عقدته الحكومات من معاهدات واتفاقات وصكوك تخل بسيادة العرب التامة. 7 ـ الشعب العربي مصدر كل قيادة، وقادة الشعب العربي هم الذين فيهم تتمثل عبقريته وفضائله يخرجون من صميمه لا من الطبقة المستغلة التي اختلطت بالأجانب وطغت عليها المصالح الشخصية. 8 ـ الدولة العربية دولة اشتراكية بمعنى إن مصلحة المجموع هي فوق مصلحة الفرد والطبقة، وان غاية الدولة إسعاد اكبر عدد من أفراد الشعب العربي وتزويدهم بكل الوسائل والفرص ليستطيعوا تحقيق عروبتهم على أكمل صورة، وهذه الاشتراكية تستمد من روح الأمة العربية وحاجاتها العميقة وأخلاقها الأصيلة ولا تستند إلى إي نظرية أجنبية. 9 ـ إن حق التملك يجب أن يبرره الجهد والعمل وان لا يتعارض مع المصلحة العامة وان لا يخل بالانسجام القومي والعدل الاجتماعي. 10 ـ جعل المؤسسات والموارد والمرافق ذات النفع العام ملكا للدولة، وإخضاع جميع الصناعات والمشروعات الاقتصادية لرقابة الدولة تبعا للسياسة الاقتصادية العربية العليا من جهة، ووفق مبدأ الانسجام القومي من جهة أخرى، ولمنع استغلال رأس المال لحق العمل. 11 ـ على الدولة أن تضمن لكل فرد من أفراد الشعب العربي عملا يعيش من ثماره عيشا كريما. ولا يجوز أن تستخدم الأجانب في المشروعات الاقتصادية العامة والخاصة أذا كان بين المواطنين العرب من يمكنه أن يحل محلهم. 12 ـ على كل مواطن عربي أن يمتهن عملا فكريا أو يدويا شريطة أن يخدم عمله مصلحة المجموع وينسجم معها. 13 ـ سن تشريع اجتماعي يحدد حقوق وواجبات رأس المال والعمل، والعلاقة بينهما على أساس مبدأ الانسجام القومي، ويكفل إنشاء مؤسسات غايتها حماية المواطنين العرب من البطالة والمرض والعجز وطوارئ العمل. 14 ـ التعليم في البلاد العربية موحد في الفكر والأسلوب يقوم على أساس الفكرة العربية التي تعتبر الأمة العربية وحدة حية في ماضيها وحاضرها ومستقبلها ويوجه وفقا لأهداف النهضة القومية المنشودة. 15 ـ التعليم الابتدائي إلزامي، وعلى الدولة ان تمكن كل عربي من نيل النصيب الكافي من العلم والمعرفة والوصول الى المراكز التي يؤهله لها عمله وإخلاصه. 16 ـ أيجاد كليات ومعاهد في جميع نواحي النشاط العلمي وتطبيقاته تسمح لا صحاب المواهب بمتابعة بحوثهم المختلفة. 17 ـ إخضاع المدارس والمعاهد الأجنبية لكل فوانيين الدولة العربية. 18 ـ حصر مهنة التعليم وكل ما له مساس بالتربية الوطنية بالمواطنين العرب، يستثنى من ذلك التعليم العالي. 19 ـ توجيه كل وسائل النشر نحو كل ما يتفق ومصلحة القومية والأخلاق العربية. 20 ـ جعل الحالة الصحية في مستوى راق بين كل الطبقات وفي جميع مناطق البلاد العربية وتربية النشء الجديد تربية بدنية سليمة. السؤال : هل انسجمت هذه التجربة العملية للحزب في العراق مع الأفكار النظرية لحزب البعث العربي الاشتراكي بعنى هل استطاعت الحزب أن يحول النظرية إلى ممارسة عملية ( نظرية عمل )؟ إن أي عاقل منصف يتمتع بضمير حي يستطيع أن يرى ان الغايات والأهداف التي أرادها البعث والمنشورة عام 1946 والمكتوبة أعلاه، طبقت في دولة البعث ، وزاد عليها ما هو جديد، إن من عاش في ظل التجربة يعرف جيدا ما معنى قرار التأميم ومحو الأمية وبيان آذار، اما الأجيال التي ولدت بعد الاحتلال فحقها أن تعرف حقيقة التجربة عبر من واكب المسيرة من العرب والعراقيين والذين يتمتعون بضمير حي منصف. سيبقى البعث كما عرفناه حيا، صامدا، مجاهدا معبرا عن ضمير الأمة. ستبقى تجربة البعث في العراق شامخة ، ستبقى المقاومة البعثية على امتداد الساحة العربية خير مترجم لمواقف البعث وشعاراته ونظريته الممتدة من مرحلة التأسيس حيث جاهد الرفاق الأوائل في فلسطين إلى يومنا هذا، فالبعث امن بان العمل الشعبي المسلح هو طريق التحرير. سيبقى قادة البعث نبراس فخر واعتزاز لأبناء البعث والأمة العربية المجيدة والشرفاء في العالم وهم يعانقون السماء عبر المشانق وعبر النضال الدائم.