أن بداية التأريخ الأنساني موغلة في القدم منذ أن خلق الله آدم عليه السلام الى ان يبعث الله من في القبور وقد أحتوت كتب الله على تنوعها على أخبار الكون وحوداثه وأظهرت لنا أحكام الله وسننه وشرائعه كيف كانت مصائرمن خالفها من المشركين والطغاة والمارقين والخارجين على أرادته كما بيّنت بوضوح جهود وجهاد من أصطفاهم لنشر اوامره ونواهيه وأحكامه ونحن نقرأ كتاب الله ونتلمس بأيمان مطلق قصص يرويها لنا الخالق كيف ومتى وأين عاش الناس وما آلت اليه مصائرهم وعواقب أمورهم أن خالفوا شرع الله الّذي أنزله لصلاح البشرية وسمو أحوالها وتنظيم أمورها وكيف أدى الأنبياء والرسل رسالاتهم من أجل أن يعيش الأنسان في كل الظروف بأمن وسلام وراحة ضمير وأستقرار حال ورضى بما قدره الله له . لقد أستوجب قراءة التأريخ تحليل الأحداث تحليلا علميا لمعرفة عوامل نهوض الأمم والحضارات وأسباب أنحدارها بعد أتساع سيطرتها وشموخ قوتها لكي نخطط لمستقبل أفضل بدراسة أحوال السابقين وتدارك أخطائهم لنعالج أزمات المستقبل والشروع بوضع اللبنات الأولى للتطور والأزدهار . لقد أثبت الوقائع أن الشعوب التي لا تهتم بتأريخها ورجالاتها ومفكريها وعظمائها أمة بليدة متحجرة لا تقوى على مجابهة متطلبات الحياة ولا تعي متطلبات عزتها ونهضتها لأن من يعتقد أن التاريخ زمن مضى وأندثر فهو مخطيء لأن في مشاهد التأريخ اليوم هالة من المعلومات والآثار والمعارف والعلوم بدونها لا طعم لمستقبلنا ولا لون لحياتنا ان توقيت هذه الأحداث تشير لدور الأنسان المُوجّه والملهم والقائد لحركة التاريخ في زمن ما فأن صلح صلحت رعيته وأن طغى وفشل هبطت معالم شعبه وأنهارت قواه ولأهمية هذه الأحداث والأدوار أصبح التأريخ علم ومعرفة ودراسة وبحوث لا تنقطع وتعني بمعرفة الحضارات الأنسانية وترتيبها الزمني لكي لا ينقطع الأنسان عن ماضيه ويؤمّن حياته ومستقبله بقراءة التأريخ بحكمة وتأمل لتجاوز عقلية الماضي والأقتداء بأيجابياته وسط حالة الضياع التي نعيشها اليوم والتي تستوجب أن نحسب خطواتنا بدقة وكمال لنعيش الحاضر والمستقبل بآمال وطروحات مشرقة بنّاءة وطموحة وبنظرة سريعة الى الأمم والشعوب اليوم نجد أنها أخذت من الماضي علومه وأفكارة وأكتشافاته وتوسعت في ذلك من خلال البحوث والدراسات والتجارب وبكل ما آلت اليه تطورات العصر الحديث ثم وضعت برامجها وجهودها وأمكانياتها للتفكير والأعداد والتنظيم ليس للمستقبل فحسب بل بمستقبل المستقبل لتضمن قوتها وأقتدارها ونجاح مساعيها من خلال تشجيع الباحثين والعلماء وطلاب المعرفة حيث رصدت من ميزانياتها مبالغ ضخمة للبحوث والدراسات العلمية والأكاديمية التي تضمن لها النجاح والرفعة والتقدم . لذا فلابد من قراءة التأريخ بتمعن للوصول الى : 1.فهم مقومات نهضة الأمم والشعوب وأسباب ضعفها وأنحدارها وكيف أستطاعت شعوب أن تنهض لبناء الحياة من جديد ومن وسط الخراب بَنت عصوراً زاهرة بالعلم والتطور والتكنولوجيا . 2. فهم دور القيادة الحكيمة للمجتمعات ودورها الطليعي في قيادة مجتمعاتهم الى بر الأمام بأقل ما يمكن من الوقت والجهد وهدر للمال العام . 3. كيف حافظت أنظمة سياسية معينة على وحدتها وتماسكها الأجتماعي وقادت شعوبها من نجاح الى آخر بتعاون وتآلف ومحبة للوصول الى الأهداف المشتركة حتى وصلت الى المستوى الأنساني الخالد الّذي يستوجب على العالم ذكر خصالهم والأقتداء بسيرة حياتهم . 4. أن الأنسان على مر التأريخ هو الأنسان ذاته بما حباه الله من سمو خلقي وعطاء أنساني وفكر قابل للتطور والزيادة والريادة والّذي يتغيرسلوكه وأنماط تفكيره واسلوب حياته وطبيعة عيشه ومناهج تربيته وتعليمه . 5. تكمن أهمية التأريخ في العبر والدروس وأستخلاص النتائج والدراسة والمعرفة والتحليل العلمي الدقيق وأستنباط الطرق المُثلى للوصول الى غاياتنا المنشودة. 6. الأقتداءوبأيمان راسخ بسيرة العظماء والخالدين من الأنبياء والرسل والصالحين وفي مقدمتهم سيد الكائنات رسولنا الكريم محمد صلى الله عليه وسلم كيف أجتباه وأحسن خلقه وكيف نشر رسالته بسماحة وأصرار وطيب خاطر ثم أصحابه الأبرار ومن تبعهم وسار على خطاهم كيف كانوا وكيف حكموا حتى نالوا رضا الله وعباده ولم يكن ذلك بتجميل المظهر بل بصالح الأعمال وحسن السجايا وجليل الأفعال والاّ فائدة لبس العمامة وأطالة اللحى مع كل الأجلال والتقدير لهما بدون أعمال صالحة تكف الأذى وتفتح الكف لتعطي وتسالم وتشيع الخير والعمل الصالح وماذا يعني الصوم والصلاة وكثرة التردد على دور العبادة وأنا أقطع صلة الرحم وآكل السحت وأفعل الرذائل فالعبادات أمور ذات صلة بعلاقة الأنسان بخالقه سبحانه وتعالى وهو الّذي كتب على نفسه الرحمة والمغفرة أما ما ينفع الناس فلا يقل أهمية عما تقدم فما المغزى من العبادات وأنا آكل مال فلان وأعتدي على فلان وأقصي زيد رغم مؤهلاته وأقرّب عمر وهو لا يمتلك قواعد المعرفة وما فائدة عمري وأنا لا أنهي عن منكر ولا آمر بمعروف ولا أتصدق بمال ولا أتخلق بخلق والحديث هنا يطول أن مقياس النجاح والفلاح فيما نقدمه للآخرين لنزيد من قدرتهم على مجابهة متطلبات الحياة بعفة وطهارة لا بما نمتلكه من جاه ومال وسلطان . 7. عندما نتحدث عن التأريخ لابد أن نستذكريوم 9/4/2003 بذكراه الأليمة المحزنه التي دمرت مقومات نهضتنا ومزًقت نسيجنا الوطني وقتلت وشرّدت الملايين من أبناء شعبنا وأفقدتنا خبرات علمية وثقافية واسعة فالأحتلال الأمريكي الغربي للعراق أشاع روح الفوضى غير الخلاقة والفساد المستشري بتعميم أجندات فاشلة أحرقت اليابس والأخضر في ربوع وطننا الحبيب وآن الأوان لنتخذ من هذا التأريخ عبر ودروس ومعان جسام لا بد أن نلامسها بعمق وواقعية فالأنتماء للهوية الوطنية بصدق وأيمان تستلزم الأعتراف بحالة الفشل والأنتكاس وتسليم أمور البلاد والعباد الى من هم أهلا لها في ميادين العلوم والأداب والمعارف المختلفة بعيدا عن المحاصصة الفئوية أو الحزبية التي لم تبق ولا تذر لحما أو عظما أو مالا أو دما الا أحرقته . وأخيرا نقول أن التأريخ نهر يجري ومن اراد أن يرتوي من محتواه عليه أن يكون مهتما متبصرا راعيا للحقائق ومنطلقا الى آفاق المستقبل بتروّي ودراية .