المقدمة : لا أحد يستطيع حماية المنطقة العربية وأقطارها سوى نظام الأمن القومي العربي .. والتأكيد بأن الأمن القومي القطري هو جزء لا يتجزأ من نظام الأمن القومي العربي .. وأن روحه وهدفه يؤكدان على أن أي اعتداء على أي قطر عربي ، بغض النظر عن نظامه السياسي ، يشكل اعتداءًا على الأقطار العربية جميعها .. وأن هذه الأقطار تتكفل بالرد الجماعي بكل الوسائل الممكنة والمتاحة بما فيها القوة العسكرية ، من أجل حماية أي قطر عربي يتعرض للتدخل والاختراق والانتهاك والعدوان مهما كانت وسائل وأغطية العدوان والتدخل الخارجي ، وذلك لضمان الأمن الوطني ولضمان حيوية نظام الأمن القومي العربي .. الذي من غيره يتعذر على الأمة العربية أن تبني مكانتها في إطار التحولات الهائلة نحو بلورة نظام دولي جديد يعتمد التعددية القطبية !! . - الواقع العربي في ظل تحولات القوى الإقليمية والدولية .. إلى أين ؟ : ينظر المعنيون بشؤون الفكر السياسي والمتغيرات التي تجتاح العالم منذ عدد من العقود .. إلى أن العالم يعيش مخاضات عسيرة وقاسية فضلاً عن أوضاع وتركات مثقلة ومعقدة .. فما الذي يمكن توصيفه من حالات تهيمن بقسوة على أوضاع الوطن العربي الذي تعيش فيه أمة العرب وتعدادها أكثر من (374) مليون نسمة على أرض واسعة ذات مقومات وسمات جيو - استراتيجية فائقة الأهمية ؟ ، وما هي العقد التي تجعل من هذه الأمة مكبلة ومشلولة وغير قادرة حتى على الدفاع عن نفسها وهي تواجه خطرًا داهمًا على جميع أقطارها بدون استثناء والمتمثل بخطر المشروع الصهيوني وخطر المشروع الإيراني وخطر المشروع التركي ، فضلاً عن خطر مشروع الشرق الأوسط الكبير ، الذي تشرف عليه الامبريالية الأمريكية وتقوم بتنفيذه على مراحل وبأدوات إقليمية ؟ . بين الواقع العربي ( الجيوبوليتيكي ) والأمن القومي العربي فجوة حين تشير خريطة الوطن العربي الى شيء ، يشير واقع الوطن العربي إلى شيء آخر مغايراً تماماً : - حين ننظر إلى الوطن العربي نجده كتلة استراتيجية حيوية تشكل ثقلاً كبيراً يحسب لها حساباً سياسياً واقتصادياً واستراتيجياً ، فهو في وسط العالم ويشكل قلبه ويتحكم بمفاصله الجيو - استراتيجية وطرق تجارته وخطوط امدادات نفطه وغازه وتجارته فضلاً عن انتشار ثقافته الحضارية . - وتشكل الوحدات السياسية العربية وأقطار الأمة كتلة اقتصادية متكاملة مكتفية ذاتيًا أولاً ومصدرة كل ما تنتج فائضًا إلى الخارج ومداخيلها تكفي لأجيال وأجيال ثانيًا !! . - فالوطن العربي ينتج النفط والغاز والفوسفات والحديد والمعادن النادرة والقطن وغيرها من المواد الأولية كما يصنع البضائع المدنية والعسكرية ويتعامل مع دول العالم المختلفة ، يصدر لها ويستورد منها .. بيد أن هذه العلاقة يشوبها القصور كما تُخيمُ عليها إشكاليات عميقة وخطيرة تقع في مقدمتها اختراق الأمن الغذائي والأمن المائي والأمن العسكري والتسليحي والأمن المعلوماتي وأمن النظم . - الأمة العربية بكل أقطارها أمة بحرية ، بمعنى ، إنها تتبوء المركز الثاني من العالم من حيث طول سواحلها وإطلالاتها على البحار .. فروسيا الاتحادية فقط هي التي تفوق واقع الأمة الجغرافي ، إذ يبلغ طول سواحلها (19860) كيلومترًا بينما سواحل الأمة العربية (16480) كيلومترًا ، وسواحل الولايات المتحدة (15530) كيلومترًا ، وهذا يعني : أن البحر الأحمر هو بحر عربي خالص ، والبحر المتوسط بحيرة عربية في الجزء الجنوبي منه ، والبحر العربي .. ونتحكم في مضايق قناة السويس ومضيق باب المندب ومضيق هرمز العربي وكذلك في مضيق جبل طارق الذي يشكل مدخلاً حيويًا إلى البحر المتوسط . - أمة العرب ، هي أمة وسطًا لا تعتدي على أحد إنما هي معتدى عليها عبر العصور ، وإذا كانت قد انساحت صوب الغرب ونحو الشرق فهو انسياح من أجل نشر مبادئ الخير والعدل والمساواة بين البشر والشعوب وليس من أجل النهب السلب واستعباد البشر ، بل تحريرهم من سطوة الطغاة الاستعماريين .. كما أن العرب بنوا وعمروا وما تزال آثار حضارتهم العتيدة باقية وشاخصة حتى الآن وخاصة في الأندلس حيث قصر الحمرا معلمًا عريقًا لا أحد ينكر جذوره . - أمة العرب متكاملة من حيث مقوماتها القومية والوطنية .. فقوميتها العربية إنسانية تعترف بحقوق القوميات الأخرى المتعايشة معها ( القومية الفارسية تضطهد القوميات الأخرى التي تحت سطوتها وجورها ) ، ودينها الإسلامي الحنيف سمحًا وعادلاً ورحيمًا وسخيًا يحترم الأديان الأخرى جميعها ولا يفرق بين الأجناس والأعراق ويساوي بين الناس والأقوام ويرفض التطرف والعنف بأي صيغة كانت - وحضارتها العربية الإسلامية منارًا للعلم ولمبادئ الأخلاق ، وقبلها الحضارات العربية القديمة ، التي علمت البشرية الكتابة والصناعة ومشاريع الري وبناء الاقتصاد وأحكام القانون والتشريع ، فيما كانت شعوب الأرض تعيش تحت رحمة الظلام والجهل والتوحش . - عناصر قوة الأمة العربية كائنة في جغرافيتها السياسية وفي أرضها ومياهها وبحارها وسمائها ومعابرها ومحيطها ومكامن ثرواتها وقوى شبابها وطاقات عمالها وعلمائها ومفكريها ومثقفيها . فما الذي يعوزها أمة العرب لكي تنهض بإمكاناتها وبطاقاتها من أجل البناء والتقدم والازدهار ؟ ، لا شيء يعوزها .. إذن ، ما الذي يمنعها من النهوض ؟ ، ما العوامل التي تعرقل نهوضها ؟ ، هل هو الاستعمار الذي تسلط على رقابها ؟ ، فهي تقول ، أنها قد تحررت ولها سيادة ومستقلة في قرارها السياسي والاقتصادي .. فما الذي يمنعها من النهوض إذن ؟ ، أين هي الفرامل التي تكبح جماح حركتها نحو التقدم والتطور والخلاص الوطني والقومي بالتحرر الشامل والكامل والعميق ، ما دامت مقومات نهوضها متوفرة وعناصر قوتها متوفرة ، فما الذي يعيقها ؟ ، هل يكمن السبب في قواها السياسية أم في أنظمتها القطرية ؟ . وهنا نلاحظ الداخل ولا نعلق كل شيء على مشجب الخارج .. التدخل الخارجي حاصل ، ولكنه ليس كل شيء وليس هو السبب الأساس والأوحد .. فلولا ضعف العرب وتشتتهم وتفككهم وأنانيتهم لما حصل اختراق الخارج ، ولو كان الداخل محصنًا في أمن أقطاره وأمن مجتمعاته وأمن غذائه وأمن مياهه وأمن إقتصاده وأمن صناعته وأمن جيوشه وأمن كياناته السيادية وأمن معلوماته لما حصل الذي حصل .. وهذه مُسلَّمة حاصلة ولا أحد يستطيع نكرانها كحقيقة شاخصة . الاختراقات الخارجية مستمرة ومشاريعها مستمرة ، فما الذي فعلته الأقطار العربية وأمة العرب تجاه هذه المشاريع التي تستهدف الأمة العربية في واقعها وهويتها وقوميتها العربية ودينها الأسلامي الحنيف ؟ . الاختراق الخارجي القديم زاد من ضعف العرب ضعفًا وتراجعًا .. والاختراق الخارجي الحديث زاد في واقع الأمة العربية تفككا وتشتتًا وإنهيارًا في الهياكل والقيم عن طريق التدمير والتفسخ القيمي وإعادة تشكيل واقع الأمة بما تريده المشاريع الخارجية ( الصهيونية والإيرانية والتركية والشرق أوسطية ) ، فأين مشروع أمة العرب ؟ ، أين قوى الأمة العربية الحية ؟ ، لماذا لا تأتلف ؟ ، ألم تشعر بالخطر ؟ ، الذي لا يشعر بالخطر ليس في تصنيف القوى الحية التي تعتمد عليها الأمة في حل معظلاتها ومشكلاتها وتأمين طريق مستقبلها . التشرذم النظمي للوحدات السياسية العربية ما تزال ، رغم كل المخاطر المحدقة بها وبأقطار الأمة ، تنخرها مسببات قطريتها وأمنها القطري أو بالأحرى أمن نخبها وعائلاتها التي تراهن على الخارج ولا تراهن على شعبها وقواها ، فهي خائفة وقامعة لشعبها ، وحين ثار الشعب العربي ضد طغم الحكم العربية سرعان ما تدخلت قوى الخارج ودفعت بثورات الشعب بعيدًا عن أهدافها ومراميها وحرفت اتجاهها بما يخدم مصالح الخارج والنظم كانت متعاونة مع الخارج بالضد من شعوبها . أين هو الخلل ؟ ، هل في أنظمة الحكم أم في القوى السياسية المسؤولة عن مصير الأمة ومستقبلها ؟ ، فالسجون مملوءة وحقوق الإنسان لا وجود لها والهراء متفسخ في سياسات الوحدات السياسية العربية ، التي لا يجمعها هدف مشترك وهي الأمة الواحدة ؟! . إين هي المعظلة ؟ ألم نقل أن الصورة التي نظرنا إليها في خارطة الوطن العربي وهي تشير إلى أشياء هي في حقيقتها ، لا وجود لها على أرض الواقع ؟ . - فمن أشد الضغوط على الأمن القومي العربي هو الخلط بين الأمن القومي والأمن القطري ، هذه المعظلة تعرفها الأنظمة ولكنها تتجاهلها تمامًا ، وهي لا تريد أن تتعامل بمنطق الأمن القومي العربي .. فلو كانت الأقطار العربية قد تعاملت بمنطق الأمن القومي العربي كما تعامل النظام الوطني في العراق قبل الاحتلال ، لما تعرضت سوريا للانتهاكات ولا الأردن للاضطراب والتهديد ولا مصر للضعف والتقوقع والانحسار عن المسار القومي العربي ، ولا أقطار المغرب العربي إلى التدهور والضعف والنأي بالنفس بعيداً عن حقائق واقع الأمة العربية ، ولا دول الخليج العربي التي ظلت تداهن وتتساهل وتتماهل وترجح أمنها على الأمن القومي العربي وتنفق مليارات الدولارات على تسليحها وهي تراهن على الخارج الذي يعمل على استنزافها والتآمر عليها وتدميرها وتفكيك وتهديم كياناتها ومع ذلك لم تتوان عن تقديم العون الكامل للخارج المعادي لها من أجل إسقاط وتدمير العراق الذي يدافع عنها .. الآن ، وبعد أن وصلت نيران مشاريع الخارج إلى داخل حدودها ومخادع محارمها ، تحركت ، ليس للدفاع عن حياض الأمة العربية من منطلق مقومات الأمن القومي العربي ، إنما تحركت للدفاع عن نفسها وكيانها فقط ، فيما مقاومة العراق الوطنية لا أحد منها يمدها بكلمة طيبة في إعلامها الرسمي الموجه !! . - أمن النظم وأمن النخب وأمن العائلات .. مفاهيم هذا الأمن لا تؤمن بمدخلات الأمن القومي العربي ولا بمخرجاته .. وهذه حقيقة شاخصة ، فلا القوى السياسية الحية تتحدث عن مكامن المعظلة عدا حزب البعث العربي الاشتراكي الذي شخص مبكرًا هذه المعظلة وحدد معطياتها الأمنية والدفاعية والسوقية والنهضوية ووضع مشروعًا للأمة العربية لوحدتها وحريتها ولعدالتها الأجتماعية !! . - كيف يتحقق الأمن القومي العربي في ظل التحولات التي تجري في العالم ؟ . يتبع ...