إن تكرار ظاهرة كشف امتحانات الشهادة السودانية، فضلاً عن آثارها الاقتصادية على مستوى الأفراد والدولة، فإن لها آثارها النفسية الأكثر خطورة على الطالب وأسرته. إن الصدمة التي خلقتها هذه الظاهرة لن يزول أثرها لمجرد إعلان أو تصريح بإعادة الإمتحان، لأن أداء الامتحان يتطلب استعداداً نفسياً ودافعيةً هي التي تجعل الطالب يبذل جهداً ذهنياً في الاستذكار طيلة عام كامل أن لم يكن أكثر من ذلك. ولكن عندما يفقد الطالب الثقة في نزاهة الامتحانات ومصداقيتها، واحتمالية انكشافها في أي وقت، فإنه يفقد تلقائياً الاستعداد النفسي والدافعية، وبالتالي لن يبذل الجهد المطلوب، الأمر الذي يؤدي إلى تحطيم نفسياته ودخوله مرحلة الأزمة من مستقبله المجهول في ظل إدارة عاجزة عن تأمين مجرد امتحان، فمن باب أولى تكون عاجزة عن توفير فرصة عمل. *إن اهتزاز ثقة الطالب وأسرته في تأمين سرية الامتحانات يعني اهتزاز ثقتهما في جدوى التعليم العام عبر إدارة التعليم القائمة الآن في السودان، وعجز الوزارة في إدارة مفاصل التعليم الأخرى، لأن مسيرة التعليم العام خلاصتها الشهادة السودانية، فإذا عجزت الوزارة عن الوصول بالسفينة إلى بر الأمان فلا جدوى من الإبحار منذ البداية*. هذه هي النتيجة الطبيعية التي نتوقعها لكارثة كشف امتحانات الشهادة السودانية، وهي فقدان الطالب وأسرته لجدوى التعليم في ظل نظام الإنقاذ، وكنتيجة حتمية لايدلوجيا الهيمنة والتمكين ، الذي أوصل الإنقاذ للتفريط في كل شئ، مع تخريب مدروس لمستودعات القيم الوطنية والأخلاقية والإنتاجية، ولوائح الخدمة والتوظيف والتدرج الوظيفي، والمساءلة والمحاسبة، ومبدأ سيادة حكم القانون، وخصخصة التعليم على نطاق واسع، بما فيها المطبعة الحكومية ، التي كان واحد من واجباتها طباعة المقررات والامتحانات، التي تتولي الشرطة تأمينها على نطاق القطر. *لقد وضع تكرار تسرب الامتحانات، بكل دلالاته، قضية التعليم، في صلب قضايا النضال الوطني، وكدعوة صريحة لمزيد من تنظيم الجهود والصفوف، وصولاً للإضراب السياسي والعصيان المدني، وحيث لا يصح إلا الصحيح.*