امتلأت الصفحات في وسائط التواصل الاجتماعي بالتهاني بيوم المرأة العالمي، والمقولات المتداولة عن مكانة المرأة في المجتمع ودورها... الخ مما يتكرر كل عام في الثامن من مارس. مع كامل التقدير لكل هذه الأصوات، وتلك التي تتذمر من تخصيص يوم للاحتفال بالمرأة،، عفواً فإن ما تريده المرأة لا يمثله كلا الموقفين. لا نريد يوماً يحتفل فيه العالم بالمرأة ويشكرها ويصفق لها ويهديها الورود والبطاقات، ثم يعود لسابق عهده في اليوم التالي، بنظرته الدونية، وقولبتها، في إطار ضيق. ما تريده المرأة هو أن تحترم انسانيتها في كل يوم، فلا تمتهن ولا تذل ولا تتعرض لأي نوع من أنواع العنف اللفظي أو الجسدي. وأن يقابل دورها في رعاية أسرتها بالتقدير الذي يستحقه، كما تقدر هي دور الرجل، فهي وإن جبلت على العطاء ونشأت على التضحية وانكار الذات، فلا يجوز استغلالها أو استصغار دورها. في مجتمعنا الذكوري، تفطم المرأة على أن لب دورها في الحياة هو خدمة الرجل ورعاية أطفالها، متناسين ما كان يقوم به رسول الإنسانية الكريم، محمد بن عبد الله، عليه أفضل الصلوات وأتم التسليم، في بيته من خدمة نفسه وكيفية التعامل مع النساء. وتساهم المرأة _الأم في ترسيخ هذا المفهوم من خلال تنشئة ابنتها على خدمة إخوانها من الذكور، وتنشئة أولادها على انتظار أن تتم خدمتهم، فتصبح المرأة عدوة نفسها. نحتاج للتوعية والتنوير في تفاصيل الحياة اليومية، وأكثر ماتحتاجه المرأة هنا، هو الرجل الواعي الذي يقدم القدوة لأولاده، رغم أن ذلك قد يكلفه بعض المزايا التي اكتسبها تاريخياً، ولكنه يصنع مستقبلاً أفضل لبناته. ما نريده هو الاحتفاء كل صباح بالحياة التي يصنعها التكامل بينها وبين الرجل، والمشاركة بينهما في صنع تفاصيلها. ما تريده المرأة هو احساس بالأمان في البيت وفي الشارع، بدون قوانين مقيدة للحريات، وبدون قانون نظام عام يتربص بالنساء، بل فقط مسلحين بقيمنا وثقتنا بأنفسنا. ما تريده المرأة هو وطن آمن، تعيش فيه، وتربي فيه أبنائها دون أن تضطر للزحف تحت الصخور خوفاً من قنابل ترمي بها طائرات يقودها أبناء بلادها، دون خوف على حياتها وعرضها وشرفها وأهلها. ودون أن تضطر للعيش في معسكرات تنتزع فيها إنسانيتها وتتعرض للأهوال في كل لحظة. وأن لا يكون هناك المزيد من الأرامل واليتامى من ضحايا الحروب العبثية، وحيدات في مجتمع ذكوري متخلف لا يرى في المرأة الوحيدة سوى فريسة سهلة. أن لا يكون هناك نساء بلا عمل ولا يملكن وسيلة للقمة عيش كريم، في بلد لا يجد الباحثين عن العمل من الخريجين وأصحاب الدرجات العلمية والخبرة فيه وظائف. وحينما تبتدع تلك المرأة مصدراً للرزق الكريم، تتربص بها أجهزة الدولة لتقتطع من قوت عيالها وتقابلها بالذل والإهانة، بينما الدولة هي المنوط بها رعاية الأرامل واليتامى وضحايا حروبها العبثية. ما تريده المرأة هو ألا يضطر أطفالها لترك مدارسهم والعمل في مهن هامشية تنتزع طفولتهم وترمي بهم إلى المجهول. ما تريده المرأة هو مجتمع تسوده قيم الحرية والعدالة والمساواة والتقدم، مجتمع تتمكن فيه من أن تنال حقها في تعليم مرتبط باحتياجيات التنمية الاقتصادية والاجتماعية، إلى مناهج ترسخ القيمة الوطنية والإنسانية للفرد والمجتمع، دون تمييز على أساس النوع أو الدين أو الانحدار الاجتماعي أو الجغرافي أو غيره، تعليم يعينها على أن تطور دورها وذاتها وتعزز قدراتها ومواهبها التي منحها لها الله، دون قيود سياسية، اجتماعية، قانونية أو اقتصادية. وأن يتاح للمرأة، النضال والعمل، لتنشأ فرداً مستقلاً، معتمداً على ذاته فكرياً معنوياً ومادياً، فتصبح هي المتحكم الرئيسي بقرارها ومصيرها، فعندما خلق الله تبارك وتعالى الذكر والأنثى، خلق المرأة انساناً كاملاً، مكلفاً مسئولاً عن ذاته سيحاسب على ما فعل بنعم الله والقدرات التي منحها لها، فلا يجوز أن ننتقص منها، بل يجب توعيتها على حقوقها وتثويرها لرفض المظالم التاريخية التي أقعدتها وحجمت دورها، ولطالما احتفى تاريخنا بالمرأة السودانية وهي تتولى القيادة والريادة، فكانت الملكة الكنداكة أماني رياس وأماني شاخيتو ومندي بت السلطان عجبنا وكثيرات ممن يعجز المقام عن ذكرهن. ومن واجبها تجاه نفسها أن تسعى إلى التحرر والانعتاق من قيود التخلف والتبعية والمفاهيم المتخلفة، وتنتزع مكانتها التي تستحقها في الحياة، أن تملك قرارها وأن تشارك في صنع القرارات التي تمس قضاياها المصيرية، وتساهم في بناء الوطن الذي تحلم به دون أن يجرم حراكها، وطن موحد ديمقراطي مذدهر يتعايش أهله في سلام يحتضن تنوعهم، وطن عصري تقدمي يرتقي ببنيه ويأخذ مكانه في مصاف الدول المتقدمة. التحية والتقدير لنضال المرأة التحرري التقدمي، التحية للنساء الرائدات اللائي كسرن حاجز العادات والتقاليد وما هو مألوف ومتعارف عليه، ووضعن بصماتهن في الحياة معبدات الطريق لمن تأتى بعدهن. وتحية خاصة للنساء في مناطق الحروب والنزاعات في دارفور وجنوب كردفان والنيل الأزرق ، وفي المعتقلات. تحية للمرأة ونضالها في الوطن العربي وافريقيا وعموم بلدان العالم الثالث وهن يدفعن فاتورة حماقات، وأخطاء، وانتهازية وجهل وتخلف الآخرين، الذين يقررون ويصنعون الحروب وأسلحة فتكها، والنساء في مقدمة من يدفع الثمن.