مدينة القدس العربية هي من أهم المدن على كوكب الأرض في مختلف المناحي والجوانب التاريخية والدينية والجغرافية والسياسية ,وشكلت عبر مراحل التاريخ كافة مهداً لجميع الديانات السماوية وموطئاً لنشوء الحضارات الإنسانية .. بدءاً من حضارة الكنعانيين العرب وصولا لمعراج الرسول عليه الصلاة والسلام إلى القدس ومسجدها العتيق والحضارة العربية الإسلامية .. وهي أيضاً قبلة المسلمين الأولى وبوابة العبور للمنطقة العربية برمتها .. وهي مفتاح الحرب والسلام منذ بناها الكنعانيين إلى يومنا هذا !!! لقد شكلت مدينة القدس ومنذ بنائها الكنعاني الأول محور الصراع ألأممي وصدام الحضارات .. حيث تعرضت للعديد من الغزوات الاستعمارية منذ تأسيسها فعبرها الإغريق واليونانيين وغزاها الفرس واليهود وكذلك البيزنط والروم والفرنجة ,ثم توالت غزوات الروم والفرنجة تحت مسمى الغزوات الصليبية ,وشهدت أبواب مدينة القدس تاريخيا أفول وسقوط حضارات وأمم ونشوء أخرى على أنقاضها .. وفي السياق تم تحريرها أكثر من مرة على أيدي الأشوريين والبابليين والأيوبيين القادمين جلهم من أرض الرافدين ( العراق ) ,ثم خليفة المسلمين عمر ابن الخطاب ( الفاروق ) رضي الله عنه الذي فتحها وأرسى فيها دعائم السلم وقواعد التعايش بين الأديان وقيم التسامح الإسلامي المثلى. وفي عصرنا الحديث وتحديدا في أعقاب الحرب العالمية الأولى وانهيار الدولة العثمانية التي أحكمت سيطرتها على البلاد العربية قرابة الأربعة مائة عام, حيث تعرضت مدينة القدس لأخطر الغزوات وأشدها تعقيداً من قبل الدولة الاستعمارية العظمى ( بريطانيا ) التي أعطت اليهود ما عرف بوعد ( بلفور ) القاضي بتسليم فلسطين للحركة الصهيونية والسماح لها بإقامة ما سمي بالوطن القومي لليهود في فلسطين وشرعت في سبيل ذلك ومنذ انتدابها الأراضي العربية الفلسطينية بتمرير قوافل المهاجرين اليهود من شتى أصقاع المعمورة والعبور إلى فلسطين والاستيطان فيها تحقيقاً لأغراضها ومصالحها الاستعمارية في المنطقة العربية كلها .. حيث تلاقت هنا على أرض فلسطين والقدس المصالح الامبريالية الاستعمارية مع المصالح الصهيونية على اعتبار أن ما يسمى بدولة إسرائيل ستكون بمثابة القاعدة الارتكازية المتقدمة لدول الاستعمار والامبريالية في قلب الوطن العربي ,والتي تحفظ لهم مصالحهم على الدوام من خلال ضرب أية محاولة لنهوض العرب وتقدمهم وتحررهم ,وإبقاء المنطقة تعيش باستمرار في قمقم التخلف والتفتت والضعف والنكوص والذيلية انسجاما مع الأهداف المعلنة وغير المعلنة للقرارات الخبيثة الصادرة عن مؤتمرات سايكس بيكو وسان ريمو ومؤتمر كامبل التي استهدفت جميعا وحدة الأمة العربية ومسألة نهوضها وتحررها. وفي سياق الحديث عن أخطر مؤامرة تعرضت لها القدس وفلسطين حيث الممارسة المباشرة لأكبر عملية تطهير عرقي وتهجير ممنهج للسكان الأصليين ومجازر الإبادة الجماعية وجرائم بحق الإنسانية .. كان معها كلمة للشعب العربي الفلسطيني الذي فجر ثورته المسلحة العارمة في وجه الإخطبوط الصهيوني الامبريالي ,وشكل طليعة الأمة في النضال ضد المشاريع الصهيونية والامبريالية المشبوهة في فلسطين والمنطقة العربية ,أعاد خلالها الكيانية الفلسطينية وكذلك الألق لقضية الشعب والأمة العادلة وطرحها بشكلي مركزي على موائد المباحثات الدولية .. إلى أن وقعت فصول الخديعة الأمريكية الإسرائيلية الكبرى من خلال ما عرف في أعقاب العدوان الثلاثيني على القطر العراقي الشقيق .. مؤتمر مدريد واتفاق أوسلو ومشاريع التسوية السلمية للقضية الفلسطينية التي استغلتها إسرائيل وبرعاية أمريكية أبشع استغلال من خلال تمرير أكبر حلقات التهويد للقدس والتوسع الاستيطاني الرهيب في مناطق الضفة الغربية وأراضي الدولة الفلسطينية المفترضة وفق الاتفاقات المبرمة. اليوم وبعد انكشاف الوجه الحقيقي لراعي السلام الأمريكي وخصوصا بعد إعلان ترامب اعتبار القدس العربية عاصمةً لدولة الكيان ,إضافة لضرب إسرائيل وأمريكا كل محددات السلام عرض الحائط, وتنكرهما لكل المعاهدات والاتفاقات وقرارات الشرعية الدولية ,هنا بات لزاما على قيادة الشعب الفلسطيني ومعها كل المناضلين العرب إعادة تدوير الزوايا وقلب الطاولة المستديرة في وجه الولايات المتحدة الأمريكية وربيبتها المسماة ( إسرائيل؟ ) ,والعمل سريعاً على صياغة إستراتيجية وطنية فلسطينية عربية تلائم مرحلة ما بعد إعلان الرئيس الأمريكي المعتوه ( ترامب ) وفشل ما سمي بمسيرة التسوية السلمية التي أضرت كثيراً بقضية شعبنا العادلة عبر أكثر من عقدين خلت .. إستراتيجية وطنية تؤسس لوحدة وطنية شاملة مسنودة بجبهة عربية داعمة ومشاركة تؤخذ بعين الاعتبار ممارسة كل الوسائل النضالية المشروعة ومنها حرب الشعب المسلحة طويلة الأمد والكفيلة بكنس الاحتلال وجلائه عن كافة الأراضي العربية المحتلة منذ العام 1948م, ودرء مخاطر المؤامرات الأمريكية الصهيونية عن كاهل أمتنا العربية.