إن مناسبة ذكرى استشهاد الرئيس صدام حسين تقدم فرصة سنوية عظيمة ، عظم الشهيد نفسه، تتكرر في شكلها و تتجدد في استنباط معانيها، مما يستدعي استغلالها لنشر و تعزيز روح و قيم النضال ، و تعميق الوعي القومي ، و فضح خبايا التآمر الفارسي مع الأمريكيين و الصهاينة ; و في دعم مقاومة الشعب العربي في العراق و الأحواز ، ذلك الدعم الذي يعطي البرهان على صدق الانتماء القومي العربي ، و هو ، أيضا، دليل على اتباع الخط النضالي السيتراتيجي بالنسبة للقضية العربية المركزية في فلسطين ; فكل دعم أو اسناد مادي ، سياسي، معنوي، أو سوقي و عسكري للمقاومتين في العراق و الأحواز هو ما يقربنا زلفى و يعيدنا للخط السليم إزاء محنة فلسطين ، و كل خذلان و تخاذل لهاتين المقاومتين هو خيانة لقضية فلسطين ، مهما تلبست الجهات التي انتهجت ذلك النهج الشاذ ببراقع الإسلام ، و مهما غالطت و تلونت و أثارت من دخان للتعمية على شذوذ موقفها. فالعرب و المسلمون ، حكاما ونخبا ، مسؤولون مسؤولية مباشرة عما أصاب العراق و الأحواز من تمزيق و من جرائم ضد الإنسانية ، و لا فرق بين من يحتل فلسطين و من يحتل العراق و الأحواز ، و من يشرد الشعب العربي في فلسطين، ومن يشرد شعب العراق و الأحواز ، و لو صبغ صفحة السماء بشعارات المقاومة عن فلسطين و عن الإسلام! فالدم العربي لا يعرف التفاضل ، و هو الذي يسيل و " يفسح بالمجان في الشوارع و يختلط بدم المسالخ" ، كما وصف ذات مرة سينغور، في القدس و غزة و بغداد و المحمرة، على أيدي الثالوث الشيطاني : أمريكا - الصهاينة - ايران !! وقد سمعت بعض القيادات الإسلاموية تنتقد هذا الطرح، و تحاول أن تشوهه من منطلق خصوصية مدينة القدس، و لكني تجنبت القدس ، في مسألة تساوي القيمة المبدئية للحق العربي، لاعتبارات دينية تخص القدس، دون غيرها. و لكن باقي فلسطين يبقى مثل أرض العراق و الأحواز و موريتانيا، باستثناء الأخذ في الاعتبار التفاوت في القيمة الجيو- بوليتيكية أو مخزون الثروات ، أو الكثافة الديموغرافية. فعندما تحتل دولة خارجية موريتانيا، لن نقبل من جهة عربية أو إسلامية أن تنظر لبلدنا نظرة تفاضل مع أي أرض عربية أخرى ، أو نقبل منها الدعوة لتأجيل المقاومة عن أرضنا حتى يتحرر هذا أو ذلك من الأرض المحتلة، بل نحن نربط بين تحرير جميع الأرض العربية ربطا عضويا، دون انتقاص أو مفاضلة . فمن العيب أن تلتزم القوى " العروبية و الاسلاموية " الصمت عن احتلال العراق و الأحواز بحجة المفاضلة و التفاضل مع فلسطين ، بغرض التلبيس على موقف تخاذلي مكشوف ! ، و محاولة وضع و فرض تعارض في خيار النضال من أجل كامل الأرض المحتلة، جملة واحدة.. إنها " ازداوجية معايير" لا تأتي بتحرير فلسطين و لا تستجيب لدواع الوعي القومي السليم ! و من هنا، يجب إعادة تشكيل هذا الوعي الذي تعرض للتشويه على أيدي مرتزقة ايرانية و قاصري نظر بهتهم الظرف الدولي، فهم يتخبطون للتمسك بأي شيء للنجاة من الغرق، حتى و لو كان بالتمساح الفارسي ! فلنعد بناء أمجاد أمتنا انطلاقا من هذه التأبينات السنوية ، و لنستلهم منها ما نلجم به أطماع بني صهيون و نطفئ به نار الحقد الفارسي ، و نقطع ألسنة حدادا بالسوء بحق أمتهم ، التي يزعمون الانتماء إليها ! فحيا الله أبطال الأمة ، الذين عضوا على هوية نضالهم ناصعة كماء الصخور، فلم تلتبس هويتهم القومية بثقافة قورش و مزدك، و لم تنحرف بوصلتهم بفعل رشى ايرانية من أموال شعب العراق ، التي تبددها ايران على عناقيدها الدموية ، و تغذي بها " مشاتل " مخبريها المبثوثين في كافة أقطار الأمة ! و رحم الله الشهيد صدام حسين ، الذي ارتقى منصة المجد و الخلود، و هو عاض على مبادئه ، و الرفعة و العقبى الحسنى لرفاقه الذين يخضون أشرف الملاحم و أقساها، و ما ضعفوا و ما استكانوا ، ف " منهم من قضى نحبه و منهم من ينتظر، و ما بدلوا تبديلا "! ، و قد تبين أنهم كانوا الحصن الحصين للأمة، فبعدهم هلكت أناسي كثير، و سالت أودية من دماء المسلمين، في مشارق الأرض و مغاربها، و تقطعت أرحام ، و نهبت أموال طائلة ، و انتهكت الحرمات، و تعربد الطغاة في سورة فحش و وقاحة غير مسبوقة... و هكذا مشى و رحل الشهيد صدام حسين عن هذه العبثية العالمية و عن هذه الحقبة الرديئة من تاريخ البشرية ، مشية أسد هصور عن عواء الثعالب خلفه، تاركا أسود البعث ، و حدهم غرباء ، يقاتلون هذه الحقبة التاريخية ، مصداقا للحكمة : لولا المشقة و التفاوت في همم الرجال أمام قسوة المحن لبطل التفاضل بين الناس !! فطوبى للغرباء !!