يعاني مثقفوا العراق من تحديات كبيرة أثرت على مسيرتهم الثقافية ومساعيهم للنهوض بالبلاد من حالة الركود التي يعاني منها منذ عام 2003, إزدادت هذه الأزمات بتوالي سنوات ما بعد الإحتلال وتأثيرها على مجريات الحياة اليومية, حتى أصبحت صفة الثقافة تهمة يخاف منها الناس, كل ذلك حصل بعد إحتلال العراق بذريعة التحرير ونشر الديمقراطية التي بانت حقيقتها منذ الأيام الأولى فلا وجود للحرية ولا للديمقراطية كما لا وجود لأسلحة الدمار الشامل, كل ما هنالك إن الهجمة إستهدفت الحضارة وشعبها ولا تزال تستهدفها بخططها المحبوكة شراً. إنحدار ثقافي بدأت الثقافة تنحدر تدريجياً بعد عام 2003 نتيجة لتضيق الخناق على المثقفين وقتل وتهجير العديد من كفائاتها مسببة تخلف كبير وتراجع علمي في الشارع العراقي فمن العودة السريعة للأمية وإنتشارها بنسب عالية الى تأخر ثقافي وركود أسواق الكتب بعد أن كانت تغص بروادها وتهميش الطاقات الإبداعية ومحاربة ما تبقى منهم بموجات الصراع السياسي ليتم بذلك تغييب أسباب الصلاح بنفي المثقفين في الخارج مما فتح المجال أمام ثقافات الغير المناقضة لأخلاقيات مجتمعنا المعروفة. إضافة الى شيوع برجوازية الأحزاب الحاكمة وإستغلالها لعدد من المفاهيم الثقافية خدمةً لمصالحها وتنفيذاً لأجندة سياسية معينة تسببت بإنحراف المعنى الثقافي عن طريقه الصحيح, كما فشلت جميع مساعي الإصلاح نتيجة لضغوطات سياسية يبذلها مسؤولي المنطقة الخضراء. ساهمت الحرب الديمغرافية الأخيرة أيضاً بهذا العدوان على حضارة الرافدين حيث طمست الكثير من المعالم الأثرية وسُرِق ما تبقى منها في محاولة يائسة لقتل التاريخ العراقي الأصيل, ليتم بذلك إبعاد العراق عن مكانته الحضارية وتأخيره عن ركب التقدم الذي وصلت اليه بقية دول العالم. شاهد من أهلها صرح أحد مدراء المراكز الثقافية في وزارة الثقافة الحالية والذي رفض ذكر إسمه خوفاً من بطش الحكومة وميليشياتها "إن الأزمة الحالية ليست بغريبة علينا فالحقد على التاريخ العراقي موجود منذ القدم, وتُمثل وزارة الثقافة اليوم بأنها المحافظ على التراث العراقي إلا إن الواقع يدل عكس ذلك, حيث لم تسعى هذه الوزارة الى أي تقدم ثقافي منذ تأسيسها بعد الإحتلال بل ساهمت بعدة أشكال بتشويه سمعة الحضارة العراقية من خلال إحتفالياتها البالية التي أثبتت للحضور مدى الإهمال المتعمد في كسر سمعة أرض الرافدين أمام ضيوفه. وأضاف يمتلك العراق خزينة ضخمة تفوق بكثير إمكانيات دول عظمى, مع ذلك لم يُخَصص لوزارة الثقافة سوى مبلغ ضئيل يَسرقهُ مسؤوليها علناً, حيث لم يصرف أي مبلغ من هذه المخصصات لأغراض العناية بالتراث أو الثقافة والمثقفين. وقال يبدوا أن مسؤولي الوزارة يسعون لتحويل وزارة الثقافة الى وزارة الدعارة لما نراه من توظيف وتسليع الإنحلال الخلقي في كافة البرامج والفعاليات ( الثقافية ). إن المسار وزارة الثقافة كمسؤول عن التراث العراقي يوضح مدى التشويه والتحريف المنتهج من قبل الحكومة الحالية ويبين أهدافها المنحلة. سبل الإصلاح إن تجربة الحكومة العراقية السابقة هي أولى بالإقتداء لإعادة ترميم ما تم تخريبه, فقد كان العراق ركيزة لأي تطور ثقافي أو علمي على مر الزمان مساهماً بالأثر الإيجابي في التقدم المعرفي الرصين والإزدهار العلمي. وقد ادرك النظام العراقي أهمية الفئات المثقفة والعلمية في المجتمع فأنطلق يسعى خلف حقوقها وتذليل كافة العوائق أمام هذا التقدم محققاً إنجازات عظيمة يشهد لها العالم. سعى العراق الى محو الأمية والقضاء عليها ليصل ما كانت نسبته أكثر من 30% الى صفر% في فترة قياسية أختصرت من خلال تطويره لمناهج دراسية مخصصة للصغار والكبار كما عمل على توفير بيئة أمنة إقتصادياً ورفع أسواق التداول المالي العراقي (البورصة) لخدمة هذا التطور العلمي حيث أسس بيئة مكتفية ذاتياً خالية من البطالة التي بدورها أنهت جميع معالم التخلف التي خلفتها كثرة الإنقلابات السياسية في الفترات السابقة. كما عمل على إنجاز برامج ثقافية هادفة تليق بمكانة العراق عربياً وعالمياً والسعي لإنجاحها كإقامة المهرجانات والإحتفاليات على غرار مهرجان بابل والبصرة, والعمل على تطوير السوق الابداعي والإعتناء بالكتاب والفنانيين والصحفيين. دعمت الحكومة العراقية جميع شباب الأمة العربية من الراغبين بإنهاء دراستهم في القطر من خلال تقديم المنح والتكفل بسكن ومصاريف هؤلاء الطلبة, خُرِجت على هذا الأساس دفعات متتالية في شتى المجالات, تسلم بعض هؤلاء الشباب مناصب رفيعة في بلدانهم ناقلين صروح الثقافة العراقية وأدابها وعلومها الى أوطانهم. إضافة لجهود تحفيزية وتشجيعية أخرى وضعت أثرها بدليل ما وصل اليه العراق في تلك الفترة الذهبية. إن المنجز الثقافي لعراق ما قبل الإحتلال ليس مجرد كلام على الورق بل هو إنجاز ضخم إعترفت به منظمات دولية المختلفة. ورغم كل ما مر بالبلاد فلا يزال الأمل بالمستقبل يدفعنا للمطالبة بالحقوق لحماية المتبقي من تراث حضارتنا وتقاليدنا, ونحن لا نزال نأمل أن يقطف هذا المجهود ثماره من أجل عراق مثقف خالي من الجهل والأمية, تعمه أرجائه الثقافة, فلا قيامة للوطن إلا بها.