منذ أكثر من عقد من الزمان وحتى اليوم والأرض تتدحرج من قمتها الشاهقة نحو هاوية التخلف السحقية, بفعل إحتلالين حاقدين سعى منذ قدم التاريخ لتدمير هذه الأمة, ولما كانت هذه الأرض الشرقية هي العقبة الكبرى أمام أحلامهم جمعوا غربان الأرض لينكلوا بها تحقيقاً لطموحهم بدمارها, وكل ما كنا نحذر منه قد حاق بمن حذرناهم مراراً. أُحتِلت القدس ولا تزال على حالها منذ أكثر من 60 عاماً جريحة غدر إخوتها, ثم أُنتُهِكت حُرمة بغداد وبراءة جمالها والعالم يتفرج بصمت ثم بكت دمشق طغيان حاكمها وصنعاء يجول بها الوحوش والخرطوم وقد هدمت وحدتها وغيرهم من جميلات الأب العربي يبكون جميعهن صمت إخوتهم وفِرقَتهم بصمت, يحلمون بالحرية في سابع نومهم ويصحوا على صوت ضباع العجم وهي تنهش ببرائتهم. فالإحتلال لم يعد يخفي قبحه بستار الحرية الموهومة, بل كشر عن أنيابه وطمعه, وما كان ليكشر عنها لولا العقلية الإنتهازية المريضة لساسات الأمة المسيطرين على أمرها. هؤلاء الذين وصل بهم التخاذل لبيع الأرض بأبخس ثمن مقابل الحفاظ على صنميتهم, ومع كل ثانية تمر يزهق جمع من أرواح العروبة حتى عُطِلًت الساعة وكُسِرَت عقاربها من كُثرة العد, ولم يعد الشعب ينتظر الثورة بعد كومات الإنتكاسات وخرافات الإنتفاضات وسيول من خيبات الأمل, كيف تعيد للأمة وهجها ومثل هؤلاء الأصنام جاثمين على واقعها, يتكاثرون بنسل إبن العلقمي مؤججين نار الفرس والصهيونية في قلب أمتنا كإعلان لولائهم أبدي. وها هي الأمة تبكي أولادها ما بين قتيل وجريح ونازح ولاجئ والدمار يعيث فيها حتى ما عاد من شاهق البنيان الا خرابه, ضاع جمالها وسط دوامات الصراع وفقدان الأعزاء وبحار النسيان الأممي وصمت الحُلَفاء المُدقَع وخِذلان يجتمع كل عام في قِمم الفواجع العربية. تحتاج أمتنا اليوم لخط أحمر تخطه بيد أبنائها ووقفات حاسمة تزداد الحاجة لها بشكل أكبر مما لو أبديت ردة الفعل اللازمة في بداية الأزمة. ونحن الأن نقف في مفترق الطرق فلابد من إتخاذ إجراء فعلي يعيد للأُمة ماء وجهها بالحرية والتحرير, والبداية بثورة مأخوذة بِروح التاريخ تمحو أفاعي الخيانة وطغيان الكراسي العقيمة. لنعط للقضية حقها ولمعان جوهرها الوحدوي ولنبح بمكنونات الحياة لنحقق طموح الشعب بالحرية, بدلاً من الإنسياق خلف تراهات واهية, فألم ما حل تزداد لوعته لدماء بريئة تزهق كل يوم على أرض العروبة الطاهرة. وقبل الختام يجب أن أقول إن أهم ما يميز المناضل عن الإنسان هو دافعه المستميت نحو الحرية, وفي حالة المناضل القومي فهو حلم الوحدة الذي أُبعد عنا بأشواط كثيرة جراء ما خلفه إجرام القوى العالمية, لا يمكن إختصارها إلا إذا أتحدت الكلمة العربية, ويقين أن الأمة أقوى من خطط المستعمر, فكل ما عليها فعله هو أن تتحد لتنهض بواقع جديد, يحيي الثورة بسمو أجدادها وأبائها. هو حلم الثورة يراود كل إنسان, يستفيق منه بصدمة كابوس الواقع, ثم يستكمل طقوس نومه فبدلاً من ليحن موعد الثورة فقد حان موعد النوم. وعلى امة العرب السلام ..