وقفة الحسين في كربلاء ذوداً عن دين جده المصطفى لم تتكرر في التاريخ البشري، وإذا كانت هناك وقفات وقفها ثائرون ذوداً عن أوطانهم وشعوبهم ومبادئهم فقد كانت محاكاة لتلك الوقفة الفريدة، بدليل أنها بقيت الأشهر وبقيت الوقفات الأخرى صدى لها لم ترتق إلى مقامها. وإذا كان الحسين قد ضحى بمهجته ودمه وأبنائه وخيرة أصحابه وسبيت نساؤه، فقد حوّل بعض ذوي المنافع الشخصية والسياسية الرخيصة الوقفة الحسينية إلى دكاكين يرتزقون منها ويأكلون السحت الحرام ويصرفون أذهان الأجيال عن نبل مقصدها وسامي مراميها وبدلاً من أن تشع تلك المرامي والمقاصد في نفوس الناس وتحرضهم على الثورة ضد الظالمين فقد جعلوها تقتصر على طقوسية بائسة عمادها اللطم والبكاء وإيذاء النفس بضرب الرؤوس بالسيوف وتجريح الظهور بالسلاسل، وكأن الحسين وقف وقفته العظيمة تلك لهذا الغرض لا سواه. إنه التجهيل بالمقاصد الحسينية والتشويه لوجهها الناصع، وأسوأ ما في الأمر أن يستثمر فاسدون ولاهم الاحتلال ذكرى الحسين لمزيد من الفساد ونهب أموال الأمة، كما يفعل الحكام في العراق. في ذكرى استشهاد الحسين، في مثل هذه الأيام، نذكّر الناس أن اللطم والبكاء لن يفرح الحسين وضرب الرؤوس بالسيوف والظهور بالسلاسل لن يرضيه، ولكنه يبهجه أن يثور الناس على ظالميهم ومشوهي الوجه الناصع لثورته الكبرى وضرب أعناق هؤلاء بالسيوف .. فهل سنفعل ذلك لنبهج قلب الحسين ؟