ظهرت بعد الإحتلال عدة حركات مسلحة لم يعرف العراق لها مثيل من قبل تسيرها وجوه معروفة بناءاً على مصالحهم الشخصية أو العدوانية, فمنذ الغزو وعناصر هذه الميليشيات تسعى لدمار البلد وخرابه من خلال نشر الفتن والإنحلال بين أبناء الشعب. تعددت قصص أفعال هؤلاء المرتزقة كتعدد فصائلهم ولكنها إتفقت على بشاعة أعمالهم وسوء نواياهم, راح ضحيتها الكثير من الأبرياء ليس لذنب سوى المسمى الطائفي أو الوطني. إنطلقت مسيرة هذه الميليشيات بتشكيلات فردية تبناها عدد من المعممين مستغلين فسحة ( الديمقراطية ) الأمريكية أو ( حرية ) الشيطان الأكبر لتصفية حساباتهم وأحقادهم بحق رجال الوطن فقتلوا الشرفاء وصادروا أملاكهم وأموالهم وحاربوا كل من يمت بصلة بهم, ثم إنحدروا بأخلاقهم السفلى أكثر ليكونوا جيوش منها ما أرتبط أسمه بأحد رؤوس المنطقة الخضراء واضعاً مؤسسات الحكومة عامة والأمنية خاصة بجيبه, ومنهم من تتجنب الحكومة التقرب منه خوفاً من داعمه الخارجي, ليكونوا بعد أكثر من ثلاثة عشر عاماً هياكل متكاملة ذات أجنحة وفصائل عسكرية مشابهة لميليشيات الحرس الثوري الإيراني من حيث التنظيم والترتيب نتيجة إرتباطها المباشر بـ( سليماني ), لتستمر حربهم ضد الشعب بتهمة عراقته العراقية. ولإثبات عداء هذه الميليشيات للعروبة بشكل عام والعراق بخصوصيته وجب أن نفسح المجال لمقارنة بسيطة مع التأكيد بإستحالة وجود أي تشابه بين ثورات ساهمت بتحرير أرضها وشعبها وبين إبتلاء أرض العراق بميليشيات طهران وواشنطن وتدميرها للبلاد. اندلعت ثورة التحرير الأمريكية ضد المستعمر الإنجليزي بقيادة جورج واشنطن لتشكيلات ثورية منظمة سميت بجيش التحرير ونظراً لإتساع رقعة الجبهة الحربية إستوجب تجنيد الأهالي وتكوين ميليشيات تشارك الجيش النظامي في حربه, يدفعهم حب الوطن للتضحية في سبيله, بهذه الروح الوطنية طويت صفحة الإستعمار الإنجليزي للقارة الأمريكية بإستسلامه ولا تزال أمريكا تحتفل في الرابع من تموز كل عام بيوم وحدتها وإنتصارها. وكذلك الحال في كوبا فقد قامت الثورة الإشتراكية بقيادة مجاميع مسلحة يتزعمهم فيدل كاسترو للخلاص من حكم باتيستا الإستقراطي, شارك الشعب أفراد الميليشيات في ثورته بعد إنتشار حالة الغليان والغضب ضد سياسة التهميش والتنكيل السائدة, لتنتهي بعد ثلاث سنوات بإنتصار الإرادة الوطنية متمثلة بالميليشيات الكوبية على نظام الحكم الباتيستي رغم كل التمويل والدعم الأمريكي المقدم له. أما في العراق فالعكس صحيح, فقد أحتل العراق بمعاونة زمرة من الخونة تدفعهم العمالة لتنفيذ مخططات المستعمر مغتالين معاني الوطنية ورموزها بسلاح الغدر لمنع وإعاقة إستقرار البلاد. أُسست الميليشيات وتشعبت ( أشكال وألوان ) لكل منها عناصرها المقاتلة كما ويعمل ضمن صنوف هذه العصابات مرتزقة من مختلف الجنسيات تقودهم جنرالات ايران من خارج الحدود بحجة الدفاع عن أمن العراق ومقدساته من إرهاب ( داعش ) التي أسسها ودعمها سادة هؤلاء الجنرالات. كما زج بنخبة هذه الميليشيات داخل أركان المؤسسة العسكرية ومنحوا رتب عالية بل وصل الأمر لبيع وشراء المنصب العسكري في مزادات القرابة العائلية, ليضم جيش اليوم متسول برتبة عميد ومزور بصفة لواء. يذكرني هذا ( الدمج ) الميليشاوي بقصه جرت أحداثها في صيف سنة 2014 في الحي الذي أسكن فيه فعلى مقربة من داري يسكن أحد اتباع هذه الميليشيات شاب يبلغ من العمر 25 عاما يدعي الوطنية ودفاعه عن الإسلام والمقدسات وهو المعروف بالمجون وإرتياده لأوكار الدعارة بل ويروج لها, وإبن أخيه البالغ من العمر 14 عاماً المقتدي بعمه تجمعهم الرذائل ذاتها والويل لمن يتجرئ على نصحهم أو نقدهم, يجتمعون مع إخوتهم في الفساد كل ليلة أمام باب دارهم للسكر والصياح وفي النهار يسيرون في سوق المنطقة حاملين بنادقهم ( الكلاشنكوف ) من أمام ( أصدقائهم ) في دوريات الشرطة. إن تجربة الثورة الأمريكية تحارب من يقتدي بها فهي تمنع الثورة ضد ( حريتها ) الدخيلة, فلو كانت بالفعل كما تدعي لدعمت ومهدت لميليشيات وطنية تدافع عن وطنها بدلاً من تتويج شراذم عصاباتها بعد الإحتلال المباشر. مثل هذه الحالات قد إتسع إنتشارها فالميليشيات ترتدي زي الدين لتغطي على رائحتها النتنة ناشرة غسيلها المعبئ بالسم في شوارع المدن, تجذب ضعاف النفوس والعاطلين عن العمل, وهي بهذا الإنتشار وبذات الصمت قد أحكمت سيطرتها فإن نُطق في لومهم فالمصير معروف وإن صُمت على طغيانهم فذات المصير, والحق أولى من الباطل.