في كل عام عندما يَحُلُّ شهر الله المُحرَّم، يعيش المسلمون هذه الذكرى بأجواء من الفرح وهم يتذكرون ذلك الحدث العظيم، الذي قلَب موازين التاريخ، وغيَّر وجه البشريَّة، إنَّه حادث الهجرة النبوية المباركة، من مكَّة المشرَّفة إلى المدينة التي أصبحت منورة بتشريفها بحضور الرسول العربي الكريم سيدنا محمد صلى الله عليه واله وسلم، ذلك الحدث الذي كان سبيلاً إلى إنشاء الدولة الإسلامية؛ حيث شعَّ نور الإسلام في الأصقاع، ودخل النَّاسُ في الدين أفواجًا. الهجرة النبوية علمت الأجيال دروساً وعبر كثيرة منها ( التوكل على الله ناصر المؤمنين - التضحية بالغالي والنفيس من أجل القضية - الايمان بتحقيق النصر وعدم اليأس - حسن الصحبة في مسيرة الهجرة والجهاد - إتقان التخطيط والسرية وحسن توظيف الطاقات- الثبات على الموقف، والبحث عن الحلِّ الشامل ) . وهي دروس وعبر لكل مؤمن تعرض للظلم ولديه فضية يجاهد من أجلها . الهجرة هي الاضطرار لترك الوطن بسبب ظلم الظالمين . مع إنَّ حُبَّ الأوطان أمْرٌ فطري، يُسَيطر على عاطفة الإنسان ووجدانه، والإنسان يتعلَّق دائمًا بأوَّل بيئة نشأ فيها، فكلُّ مكان في بيئته يذكِّره بِحَدَثٍ وذِكْرى، وكلُّ خطوة خطاها في مَوْطِنه تعبِّر عن عمره الذي قضاه فيه، وحنينُ الإنسان دائمًا يَجْذِبه إلى أوَّل مكان وُلِد فيه مهما عانَى في هذا المكان، ولا يحب الإنسان أن يَخْرج من موطنه إلاَّ تحت الظروف القاسية، وهذا ما صرَّح به سيدنا الحبيبُ محمَّد رسول الرحمة وخاتم الأنبياء والمرسلين - صلَّى الله عليه وسلَّم -: { أما والله، إنَّكِ لأحبُّ البلاد إلى الله سبحانه - يقصد مكَّة - ولولا أنَّ أهلك أخرجوني منكِ ما خرَجْتُ }. كان لصحابة رسول الله رضي الله عنهم لكل واحد منهم قصة وهو يهاجر كلها دروس لنا نتعلم منها في مواجهة الظلم والظالمين ، لنواصل الجهاد لإعلاء كلمة الحق ، هم صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن اخوانه ، لقد كرمنا خير خلق الله لنكون اخوانه ، وفي الحديث والرسول الكريم يتحدث مع الصحابة ويقول : ( إني لمشتاق إلى إخواني ، فقلنا : ألسنا إخوانك يا رسول الله . قال : كلا أنتم أصحابي وأخواني قوم يؤمنون بي ولم يروني ). فنعم المكرم ونعم الكرم الذي علينا أن نحمد الله عليه ، ونترجمه بالشكر لله والسير على نهج رسول الله وصحابته في مواصلة الجهاد . نحن اخوانك يا رسول الله ومن بيننا من يخاطر بنفسه ويفدي اخوانه مثلما خاطر سيدنا الامام علي عليه السلام ليكون أول فدائي بالإسلام وهو ينام في فراشك في يوم الهجرة وكفار قريش يحيطون به . نحن اخوانك يا رسول الله نازحون مهجرون مثلما هجر الصحابي صهيب الرومي وترك كل ما يملك فداء لإعلاء كلمة الحق. إخوانك يا رسول الله يقتلون ويخطفون ويعذبون مثلما عذب بلال الحبشي وعمار بن ياسر . أخواتك يا رسول الله معتقلات ويعذبن مثلما عذبت أم عمار بن ياسر . أغثنا يا رسول الله بمدد من الله يعين اخوانك واخواتك يفرق بين الحق والباطل مثلما قال الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه عندما أقر التاريخ الهجري : ( ان الهجرة فرقت بين الحق والباطل ).