عرفها التاريخ بمختلف التعاريف, منهم من قال عنها إسطورة ومنهم من أكد وجودها منذ سحيق الزمان, وبعضهم قال برؤيتها عن طريق الصدف, مهما تعددت الأقوال فالثابت أنها أرض العجائب والغرائب, تجد فيها ما لا عين رأت ولا أُذن صغت, يجتمع فيها الجمال والخيال, وخوف مِما تخبئه الأقدار. كحال أرض الرافدين اليوم, فهي مليئة بالجمال ومحاطة بالخيال, يسودها الخوف من خفايا الأقدار. هذه الأرض لم تهنئ يوماً بفضائل الله عليها فمن أزمة لأزمات, تتعدد أمثلة هذه المشاكل مما يتعذر ذكرها جميعاً مختصراً إياها كما يقال : من الأهم ثم المهم. 1- الهواء تعتمد الحياة عليه فلا وجود للكائنات إلا بسلامته حتى قيل ( هواء نقي لحياة سليمة ), هذا ما يفتقره عراق اليوم للهواء فكثرة الإنفجارات ومخلفات الأسلحة المحرمة دولياً والملوثة إشعاعياً وأدخنة السيارات نتيجة ردائة جودة الوقود المباع في هذا البلد النفطي إضافة لإنتشار دخان مولدات طاقة الكهربائية الموزعة في كافة أحياء المدن وشوارعه لضعف الإنتاج الكهربائي الحكومي كانت سبب في تلوث البيئة وسط غياب أي إحصائية رسمية أو أرقام دقيقة تشير الى ما وصلت اليه نسب التلوث, وقد نشر ( مركز دراسات الحرب ) المتخصص بشؤون البيئة تقريراً أعده نخبة من الباحثين الأمريكان بخصوص أزمة تلوث الهواء في العراق, أشار فيه الى خطورة المستوى الذي وصلت اليه نسب التلوث حيث قدر بإحتواء الغبار على أكثر من 37 نوع من المعادن ذات التأثير الخطير على صحة الإنسان إضافة لوجود ما يقارب 147 نوع من البكتيريا والفطريات الناقلة للأمراض, كما أكدت تقارير أخرى إلى إرتفاع معدلات الإصابة بالسرطان بنسبة 60% وفقاً للإحصائيات السابقة وإزدياد حالات التشوه الخلقي عند المواليد الجدد نتيجة لهذا التلوث. 2- الماء يمر من العراق نهرين عظيمين إرتوت أرضه من مياههما منذ التاريخ القديم ودونت فيهما الأشعار مدحاً بطيبهما ونقائهما حتى سنة 2003 وما حل بهذين العظيمين من تلوث وإهمال متعمد, حيث أشارت وزارة البيئة والموارد المائية في إحصائيتها المنشورة في أيار عام 2007 إنخفاض وارد النهرين لما يقارب الـ40% وإنخفاض نسبة الطاقة التصميمية للمشاريع المائية بمقدار النصف لما كانت عليه قبل 2003 ليقل بذلك عدد المخدومين بنسبة 50% في ستة عشر محافظة مستثنياً محافظتي أربيل ودهوك, أما المياه الصالحة للشرب فقد وصلت نسبتها لأقل من 79% حسب تقارير منظمة الأمم المتحدة المنشورة سنة 2006 منخفضة 9 درجات إضافية لعام 2007 كأخر إحصاء رسمي حتى اليوم. ولم تتوقف الأزمة عند هذا الحد بل تجاوزته بكثير من الخطوط الحمراء, حيث أفادت مصادر الى قيام إيران بإعادة تخطيط الروافد الواقعة بين الأراضي العراقية والإيرانية لتكون ملكاً بحتاً لها ويقدر عددها بثلاثين رافداً إبتداءاً من الزاب الأعلى وإنتهاءاً بتفرعات شط العرب, لم تتخذ حكومة بغداد أي تحرك رسمي على هذا التعدي الصريح, حيث أشار المصدر ذاته الى أن حكومة أياد علاوي قد طالبت بإجراء حوار رسمي مع ( الجمهورية الإيرانية ) التي قامت بتجاهل الطلب, ولم يصدر أي بيان أو مطالبة أخرى حتى يومنا هذا, أما الحكومة التركية فقد قللت نسبة المياه المصدرة للعراق من 500 متر مكعب بالثانية الى 200 متر مكعب لإسباب لم يعلن عنها. إضافة لكل ذلك فقد أشارت منظمات دولية الى إرتفاع حجم التلوث الإشعاعي في نهري دجلة والفرات لتتجاوز النسب التي وصلت إليهما مدينتي هيروشيما وناكازاكي اليابانيتين بعد أن قصفهما بالقنابل النووية الأمريكية, كما أشارت ذات التقارير الى ضعف عمل محطات التصفية وما تسببه من ضخ أكثر من 1500 متر مكعب من مياه الصرف الصحي الغير معالج يومياً لمياه النهرين مسببتاً إرتفاع نسبة الملوحة وبالتالي إنتشار الجراثيم والأمراض المميتة. 3- التربة نسبة لما ذكر من حجم التلوث المخيف الذي أصاب مياه العراق وبيئته فلا عجب أن تتلوث تربته المنتجة بعد أن إستوعبت الملايين من قنابل الكلاستر الملوثة وأطنان الغازات السامة. أشارت دراسة قام بها باحثون عراقيون الى إحتواء التربة العراقية لما يزيد عن 2000 طن من غبار اليورانيوم المنضب وأكثر من عشرة أنواع ذرية مشعة إضافة الى وجود المعادن السامة والملوثات العضوية المنتشرة في مختلف أرجاء الوطن وبالأخص المناطق القريبة من الحدود الإيرانية والمحاذية للعاصمة بغداد, وأشار التقرير ذاته الى إكتشاف أنفلاقات إشعاعية متفجرة حديثاً في القرى الحدودية لمحافظات شرق وجنوب شرق العراق, مشيراً الى تجارب نووية إيرانية على الأرض العراقية ومؤكداً إنتشار حالات التشوه الخلقي والإصابة بسرطانات الرئة والقولون في تلك المناطق على وجه الخصوص. كل ما ورد من خطر يهدد حاظر العراق ومستقبله لم يتكلل بأي جهد أو محاولة حكومية لإيقاف هذا الموت البطيء, ليُشَبه بعملية قتل جماعي تمارسها ( اليد الخفية ) بحق شعبنا العراقي, ليأتي السؤال المنطقي في محله, هل إستحق العراق بأن يصبح نموذجاً لجزيرة الواق الواق بعجائبه الخيالية المميتة؟. لكم الحكم