السلامُ عليكمُ والسلامُ على فلسطين وعاشتْ فلسطين حرّةً عربيةً من البحرِ إلى النهر. تجتمعون اليوم لإحياءِ ذكرى أربعين الدكتور عبد المجيد الرافعي، هذه القامةُ العملاقةُ التي رَفعتْ رَايَةَ العروبة على إمتدادِ الوطَنِ العَربِيِّ الكبير، وبَقِيَتْ هذه الرايةُ تخفُقُ لأكثرِ من ستِّينَ سنةٍ في عواصمِ المَشرِقِ العربيِّ ومغرِبِه. تُخَلِّدونَ ذِكرى رَجُلِ المَبَادِئ، الثابِتِ المُلتَزِمِ بقضايَا أُمَّتِه، الطبيبِ الإنسانَ، طبيبِ الفُقراءِ والمحتاجين الذي أَحبَّه أَهْلُهُ لعطائِه وخَدَماتِه وتلبيَتِه لكلِّ نِداءٍ مع تنوُّعِ النداءاتِ الصِحِيَّة والثقافِيَّة والإجتماعِيَّة. رَجُلُ الوفاءِ والصِدْقِ والإخلاصِ والمحبَّة. لم يَهَبْ ولم يتراجعْ ولم ينهزِم أمام أَشدِّ الأعاصير. عاشَ وماتَ شامخَ الرأسِ مرتاحَ الضمير. أيها الأُخوة المجاهدون، تجتمعون اليوم في قاعةِ الشهيدِ الكبيرِ الرمزِ ياسر عرفات لإحياءِ ذِكرى مُجاهِدٍ فلسطينيٍّ أحَبَّ فلسطين وجَعَلَها بوصَلَةَ نِضالِه حتى الرمَقِ الأَخير. لعبد المجيد الرافعي ذكرياتٌ كثيرةٌ مع فلسطين : منذُ كان في عمرِ التاسعةِ وسأَلَ والدَه عن الصُوَرِ المُعلَّقَةِ للمجاهدِ القائدِ فوزي القاوقجي فأجابه والدُه أنَّه يأْخُذُ المجاهدين لمحاربة الصهاينة في فلسطين، فانطبع هذا الإسمُ في قلبِه وبَقِيَ معه طيلَةَ حياتِه. سافرَ للدراسةِ في سويسرا ووقعتِ النكبةُ عام 1948، فأسرعَ مع رفاقٍ له لتأسيسِ أوَّلَ جمعيةٍ للطلبةِ العربِ في لوزان أَسْموها "أرابيا" من أجْلِ شرحِ هذه القضيةِ المُحِقَّةِ وتقديمِ المساعداتِ إلى اللاجئين. عادَ إلى بلدِه لبنان وكانت فلسطينُ مِحْوَرَ كافةِ نضالاتِه الجماهيرية والثقافية. أنارتْ طريقَه كلماتُ الأستاذ ميشال عفلق القائدِ المؤسسِ لحزبِ البعث العربي الإشتراكي : "فلسطين لن تحرِّرُها الحكوماتُ بل الكفاحُ الشعبيُّ المُسَلَّح" و"فلسطين طريقُ الوحدةِ والوحدةُ طريقُ فلسطين". ابتدأتْ العلاقةُ بينَه وبين الشهيد الرمز أبو عمَّار منذ سنة 1966 وفي بيتِ الصديقِ الرفيق المرحوم خالد يشرطي واستمرتْ إلى يومِ استشهادِه. بعد زواجِه، إختارَ أنْ يكونَ مكانَ شهرِ العسلِ فلسطينَ الحبيبة وكان خائِفاً بأنَّها ستكونُ المَرَّةَ الأخيرةَ لزيارتِها. لبَّى نداءَ الأستاذ ميشال عفلق 1970 والتحقَ على رأسِ مجموعةٍ من المناضلين لمساندةِ المقاومةِ "فتح" في الأحداثِ المؤسِفة في الأردن. كان حُلْمُهُ العَربيُّ الكبير بِأُمَّةٍ عربية واحدة ذاتُ رسالة خالدة، وتركَ هذا الحلمَ أمانةً في أعْناقِنَا. لم يعرِفِ اليأسُ إلى قلبِه مكاناً رُغمَ كافَّةِ الإنتكاسات، وظلَّ إيمانُه قوياً بقدرةِ الجماهيرِ على تحقيقِ الأنتصارات. رحَلَ ووصِيَّتُه لكم عن أهمِّيةِ الوِحدةِ بين الفصائلِ والإرتفاعِ عن كافَّةِ الصغائرِ والحساباتِ الضيِّقة متَيَقِّناً بأنَّ هذه الوحدة ستكونُ الحافزَ لوحدةِ أقطارِنا العربية وإعادة قضيةِ فلسطين لأُولى الأُوَّليَّات. وأخيراً، إسمحوا لي أنْ أُبَلِّغَكم شُكرَ وتحيَّةَ عبدَ المجيد الغائِبِ جَسَداً والحاضِرِ أبَداً روحاً ومبادِئاً. الرحمةُ لروحِ الحكيمِ الطاهرة، الرحمةُ لروحِ القائدِ الرمزِ أبو عمَّار والقادة الفلسطينيين الكِبار، الرحمةُ لشهداءِ الأمةِ العربية وفلسطين الغالية ولبنان الحبيب. التحيةُ لأبطالِ فلسطين وعمالِقةِ الأقْصى وكلِّ من يقاومُ الإحتلالَ أيْنما وُجِد. الحريةُ للأسرى. الشكرُ لكم جميعاً وثورةٌ حتى النصر.