لا تزال الأزمة القطرية على أوجها شاغلة وسائل الإعلام العالمية وصحف الرأي بعد أن نشرت وزارة الخارجية القطرية قبل أيام خبر إعفاء (80) دولة من تصريح الدخول, مبعدتاً دول الحصار العربية كردة فعل على إجراء مماثل إتخذته المملكة السعودية بعدم السماح لدخول الحجاج القطريين معتبرة أن الموافقة على دخول وفود الحج القطرية سيكون لها عواقب وخيمة على أمن وسلامة المملكة, هذا القرار الذي دفع بقطر لإعلانها الأخير بإستخدام ذات الأسباب السعودية. ويواصل أطراف النزاع تصريحاتهم الأعلامية المغرضة وسط تحزب كبير وإنحياز أممي ( عربي وغربي ) بين الطرفين المتخاصمين. ولنعد قليلاً الى الوراء الزمني لنستطيع فهم حقائق الواقعة وما ترتب عليها وصولاً لهذا المستوى الخطر, محاولين إضافة نظرة حيادية خالية من الإنحياز, كل ذلك لن يتم إلا بعد معالجة الأسباب وحيثيات المشكلة ثم نتائجها. أسباب الأزمة إبتدأت الأزمة بعد نقلت قناة الجزيرة القطرية تصريح للأمير تميم بن حمد ال ثاني ينتقد فيها العداء الأمريكي نحو إيران محذراً دول الخليج من السير على ذات الخطى ممتدحاً مواقف إيران وأحزابها داخل المنطقة العربية ومشيراً الى العواقب الوخيمة للمواجهة العربية الإيرانية, الأمر الذي إعتبرته المملكة موجهاً لها لمواقفها المعروفة أزاء التدخلات الإيرانية في المنطقة ودعمها للمجاميع المسلحة داخل الأرض العربية, كما تحفظت الإمارات من هذا الموقف لمطالبتها بجزرها الثلاث المحتلة إيرانياً منذ ما يزيد عن الأربعين عاماً, وأعلن بيان المقاطعة الخليجية بتصريح نشرته وكالة الأنباء السعودية عن وثائق تشير الى تورط قطر بدعم وتسليح عدد من المجاميع الإرهابية وإضرارها بالأمن الداخلي للمملكة ومساندة ودعم ميليشيات الحوثي في اليمن كما وصرح وزير الخارجية السعودي بأن المملكة تحاول منذ عام 1995 حض الدوحة على الإلتزام بتعهداتها والتقيد بالمواثيق الدولية والأخلاقية تجاه القضية العربية وأمن المنطقة الخليجية, الأمر الذي إعتبرته الدوحة مجرد ضغوطات تفرض نفسها لمنع بسط السيادة القطرية على أرضها وحماية شعبها. هذا والجدير بالذكر إستنكار دولة قطر لما تم نشره على قناة الجزيرة مشيرة الى حدوث إنتهاك أمني وقرصنة لمواقع القناة, الأمر الذي إعتبره باحثون في مجال أمن المعلومات غير منطقي لتعدد روابط القناة وحساباتها الألكترونية الأمر الذي يجعل من المستحيل الدخول لها جميعاً في الوقت نفسه, كما وإن إصرار الدوحة على مواقفها وفتح أبواب التعاون مع طهران يشير الى صحة هذه التصريحات وتأكيداً عليها. نتائج الأزمة وحيثيات التأزم تدخل عدد كبير من الدول والسياسيين في محاولة لردم الصدع بين الدول المتخاصمة, برز هذا الأمر من خلال الزيارات الرسمية وغير الرسمية للوفود الساعية للسلام وتصريحات إعلامية سياسية محذرة من مغبة إستمرار الأزمة, ولم تفض هذه الجهود لما يشير الى إنتهاء الصراع السياسي, وقد أعلنت دول الحصار الخليجي عن بنودها لحل المشكلة تحت عنوان (المتطلبات الجماعية الثلاثة عشر) وهي عبارة عن شروط وجهت لقطر لفك الحصار عنها في حالة موافقتها على مضمونها, تضمنت بنودها توقف قطر عن دعم وتشجيع وتمويل الجماعات الإرهابية المسلحة والسياسية وعدم التدخل في الشؤون الداخلية لدول الجوار والإلتزام بالسياسات الخليجية الموحدة, الأمر الذي رفضته الدوحة معتبرة إياها بـ(الغير مبررة) لتستمر حالة الحساسية وتأزم المواقف ولجوء الحكومة القطرية لمؤسسات دولية من أجل تجريم الحصار الخليجي والتراجع عنه, إلا أنها وبالوقت ذاته قد إتخذت إحتياطها بإحتمالية إستمرار المقاطعة الإقتصادية بتنيمة أسواقها المحلية وتوسيع تعاونها مع عدد من الدول بمجالات الإستيراد والتصدير الأمر الذي يقيها من الإفلاس والتدهور, إضافة لما ورد فقد تناولت عدد من الوسائل الإعلامية عن محاولات جدية جديدة لحل الأزمة يجري تداولها في عدد من العواصم العربية والأجنبية, يؤكد صحة هذا الخبر لجم التصريحات المتشنجة والإتهامات المتبادلة وتخفيض سقف المطالب بين الطرفين. المطلوب من أجل الحل إن النظرة الموضوعية هنا لابد منها فإستمرار الأزمة بين الأخوة يضر بكافة بلدان الأمة العربية كما سيكون له الأثر الكبير على إستقرار المنطقة, وكما إن البيانات الإتهامية قد زادت من حدة الصراع فإن بيان تصريحات أخرى قد ساهم في تهدئة حدتها, إضافة الى ضرورة الإبتعاد عن الخط السياسي المستقل والإصرار على عدم الحل وإبعاد كافة المراهنات والمزايدات الخارجية عن المتخاصمين لفتح باب الحوار بين الأخوة للوصول الى بر السلام. ومع كل ذلك فلا يزال مستقبل الأزمة مجهول وسط فشل محاولات الحل السابقة وعدم القدرة على التأكد من ماهية الغرض من هذا الهدوء الفجائي وربما الأيام القادمة ستكشف القليل عن الكثير مما يجري تحت طاولات السياسية.