منذ أكثر من عقد من الزمان ومحصلة أربع حكومات وفترتي حكم مؤقتتين, والعراق يتجه بحاله من السيء الى الأسوء, حتى أصبح من غير المعقول عدم قدرة السلطات المعنية فرض النظام وإستتباب الأمن, فمنذ دخول الامريكان لأرض العراق, مهما اختلفت تسميات هذا الدخول كمحتل غاصب او محرر منجي فهو دخيل اجنبي في أرض عربية وحتى يومنا هذا والواقع لا يبشر بخير, وأنا هنا لا اود أن أدخل في معمعة السياسية وما لها وما عليها, وإنما أتحدث كمواطن له حق السؤال عن الأسباب التي أدت الى مثل هذا الواقع وإمكانية بسط الحلول على ساحة النقاشات, لأعيش حياتي متنعماً بأبسط حقوق أي مواطن في أي بلد. البداية كانت بعد أن وضعت الحرب أوزارها وأرخت جيوش الغرب رحالها داخل المدن أو نئت عنها بقليل, وتشكيل أول نظام ( سياسي ) يسير بما تشتهيه نوايا المستعمر من خلال الحكومة التي شكلها, وترسيم الخطة التي وضعها المحتل كشرط يجب التقيد به عرفت بـ ( سياسة الـ100 مشروع ), هذه الإتفاقية التي خطط لها ونشرها بسرية المندوب ( السامي ) بول بريمر في أرض الرافدين, متضمنة تشكيل حكومة تعتمد على المحاصصة في المناصب ليتسنمها المذهب او الإتجاه الديني بعيداً عن إعتبارات الكفاءة والخبرة, الأمر الذي دفع بشخصيات تحكمها النزعات الأقليمية والطائفية لتولي المناصب الحساسة وما أدت اليه هذه المحاصصة من فقدان سيادة الدولة وتدمير شامل أصاب البنية التحتية والإقتصادية في البلاد, فعلى مدى اكثر من 10 سنوات لم يخرج العراق بصناعة أو زراعة بعد أن كان مصدراً للكثير من المنتجات, ومن البنود الأخرى وضع إتفاقية أمنية شاملة وتعاون ( مشترك ) بين الدولتين العراقية والأمريكية وفتح قواعد جوية وبرية أمريكية في المناطق التي ترتأيها السلطة الأمريكية من غير الرجوع الى ما يسمى بالسلطة العراقية , وحظر أي نشاط تحرري او تظاهرة منددة للأعمال الإجرامية أو الفساد وإمكانية إستخدام القوة والبطش لإخماد هذه الحركات المناهضة مهما كانت تسميتها أو الجهة القائمة عليها, كما أقر بتشريع قوانين تحظر معارضة النظام الامريكي سياسياً, تم تمرير الإتفاق وصودق على بنود مشروعه وأُضيف إليه هوامش أخرى من ضمنها إستباحة دماء المعارضين السياسيين وتحريم الخروج على المحتل أو قتاله ويعاقب المخالف إستناداً على فقرة قانون مكافحة الارهاب. هذا ولم أتطرق لما عمموه أيضا من منع تصدير العراق لأي منتج كان وفتح الحدود على مصراعها أمام البضائع المستوردة وبدون أي دفع ضريبي, مما حول العراق المنتج الى محطة لتصريف المنتجات المختلفة والمخالفة لقوانين الصحة الدولية والمتانة الصناعية. كما تم حل وطرد كافة الكفاءات العلمية والأكاديمية, لمنع أي تقدم علمي حاصل على المستويات التعليمية, وبالتالي تخريج دفعات أكاديمية لا تفقه من العلم سوى خطوط مقطوعة لا تؤدي الى فائدة. كما إن عمليات السرقة النفطية مستمرة على قدم وساق وبإشراف عالي المستوى وما أدت اليه من إنهيار إقتصادي في ثاني أكبر إحتياطي في العالم, لم تكن بمعزل عن الأحداث بل وإزدادت وتيرتها لتصل الى تنافس حاد ومسلح في بعض الأحيان بين السلطة المركزية وحكومة الأقليم. ولنضع النقاط بشكل أدق على حروفها فإن بلاد الرافدين أصبحت اليوم تفتقر للمياه الصالحة للشرب بعد التلف الحاصل في أنابيب الربط بين شركات التصفية والمدن, إضافة الى إهمال صيانة وتجديد مضخات الماء. أما الأمن والأمان فحدث بلا حرج, فالشارع مليء بعناصر الميليشيات والمسلحين من مريدي الأحزاب, أمام أعين الأجهزة الأمنية التي تخاف التقرب منهم لمحسوبيتهم وعلاقاتهم بأصحاب السلطة, كما إن تغلغل العناصر المسيئة ما يسمى بضباط ( الدمج ) وإنعدام الإنضباط العسكري كان سبب رئيسي لما أصبح عليه واقع اليوم, فلا أمن ولا أمان في ضل هذه الأوضاع, ولا يزال المواطن خائف على حياته من إنفجار ناسف أو حادث إرهابي أو عصابة إجرامية من غير أن تتحرك الأجهزة المختصة لردع مثل هذه المأسي. هذا إضافة الى فساد الدوائر الحكومية ومؤسساتها الخدمية, وإرتفاع حالات الرشوة والإبتزاز وسيطرة أصحاب النفوذ على سلم هذه المراجع المهمة. كل ذلك يجري في العلن والواقع المأسوف عليه يتهاوى نحو السحيق من غير أن يبدي المسؤولين أي ردة فعل لإنقاذ ما تبقى من السيادة العراقية, بل وعلى العكس تم إستغلال هذه الظروف لمصالح شخصية بهدف الإنتفاع من إلتهاء المواطنيين بكل هذه الهموم لزيادة الحصيل المادي لأصحاب السلطة. من هنا يمكننا القول أن المواطن العراقي يعيش في غابة تحكمها الأنانية وحب الذات غير مبالية بما سيؤول اليه الحال إذا ما إستمر على ما هو عليه. النظرة هنا لم تكن شاملة بل هي كما أشرت أعلاه مختصر بسيط بل وأشد ما تكون عليه البساطة والإختصار لواقع مخزي يعيشه المواطن البريء في غابة سوداء ولدت بعد مخاض عنيف لأم الشيطان. يتبـــــــــــــــع ...