بعد هزيمة حزيران 1967، وبروز العمل الفدائي كرد طبيعي على تلك الهزيمة، ومع شعارات " فلسطين لن تحررها الحكومات بل الكفاح الشعبي المسلح" و "أن ما أخذ بالقوة لا يسترد بغير القوة" كان الإندفاع كبيراً من الشباب العربي للألتحاق بالمقاومة، وكان المناضل عبد المجيد الرافعي من أبرز القيادات في لبنان التي دعت الجماهير للتدريب على حمل السلاح وإتقان فنون القتال وحرب الشوارع و التطوع مع الفدائيين، وتلك الدعوات ترافقت مع وصول القواعد الأولى لجبهة التحرير العربية إلى لبنان، حيث كان يصلنا السلاح من العراق، مخزناً ضمن شاحنات التمر العراقي التي كانت ترسل بهدف نقل السلاح، بعد منع النظام السوري لوصول أي سلاح أو ذخائر للجبهة والحزب في لبنان، بل عمد أحياناً إلى اعتقال مقاتلين عابرين عبر الأراضي السورية، وأيضاً محاولة إحتلال أول قاعدة ومكتب لجبهة التحرير العربية في شبعا بالعرقوب جنوب لبنان عبر قوة أتت عبر جبل الشيخ حينها.في عام 1969 إرتأت قيادة الحزب في لبنان وجبهة التحرير العربية بضرورة إيجاد معسكر وقاعدة للتدريب بلبنان، لتجنب عمليات نقل مئات من البعثيين وشباب الأحياء و الطلاب للأردن أو العراق للتدريب والعودة إلى لبنان، كما وصل حينها الشهيد محمد جابر نبهان "أبو الأديب" من القيادة العسكرية لجبهة التحرير العربية إلى شمال لبنان كمسؤول عسكري هناك. وتم العمل على بناء مكتب و قاعدة كبيرة في مخيم البدواي، شارك بالبناء متطوعين بعثيين وطلاب ضمن صيغة "العمل الشعبي" يتقدمهم المناضل عبد المجيد الرافعي حيث أنجز البناء من الباطون المسلح المقاوم وسماكة جدران تبلغ أكثر من نصف متربفترة زمنية قياسية، ثم تم العمل على تأسيس أكبر معسكر تدريب في كل لبنان حينها في مخيم نهر البارد كان يمتد على مساحة كبيرة، من عند جسر نهر البارد القديم على امتداد النهر وصولاً إلى شاطئ البحر، كان به مهاجع للنوم والأكل وساحة تدريب كبيرة بكل وسائل التدريب ( خنادق، موانع، أسلاك شائكة، أقنية مرور ضيقة، ساحة رمي غريزي .. الخ ) كما تم بناء كمائن محصنة تحت الأرض على ضفة البحر لمقاومة أي انزال بحري صهيوني. وكان يقوم بالتدريب أبو مروان المسؤول العسكري في نهر البارد و بإشراف أبو الأديب، حيث استوعب المعسكر طوال سنتين دورات عديدة لمئات البعثيين والطلاب وشباب الأحياء.وكان يحرص الحكيم وقيادة الحزب على الحضور الدوري لمشاهدة عمليات التدريب، و أيضاً حضور استعراضات نهاية كل دورة التي كانت تتم بصرامة يرافقها إطلاق نار حقيقي ومتفجرات والقفز من جسر نهر البارد العالي إلى النهر.في تلك المرحلة كانت أعداد المتطوعين الكبيرة من طرابلس ولبنان كله للإلتحاق بصفوف المقاومة وقواعدها في جنوب لبنان فاقت كل التقديرات، فكان يتم إختيار نخبة من شباب الحزب للسفر للعراق ( خاصة في فصل الصيف ) للخضوع لدورات مكثفة ومختصة في معسكر التاجي على المدفعية والدبابات والهندسة العسكرية ( حيث شاهدت هناك أول موقع لكتيبة الحرب الكيماوية بالجيش العراقي ) وكانت ببداية تشكيلها حينها.كان الحكيم وقيادة الحزب حريصين على تجنيب المدن والقرى أي ظهور مسلح أو مقاتلين في الشوارع تجنباً لأي إشكالات مع الدرك والأمن والجيش اللبناني، مع أن الشعبة الثانية اللبنانية كانت تلاحق الشباب، وتحاول جرهم إلى اشتباكات جانبية لتبرير أي عدوان على مخيمي نهر البارد والبداوي ومكاتب ومعسكرات الفدائيين، ( كما حصل حين داهمت قوة من مغاوير الجيش بواسطة المروحيات مخيماً طلابياً في بلدة السفيرة بالضنية لتصويره على أنه قاعدة تدريب عسكري ) إضافة إلى استفزازات مستمرة لجر الفدائيين إلى مواجهة مع الجيش عامي 1969 و 1970 مما أدى إلى سقوط ضحايا من الطرفين و اسقاط طائرة مروحية وإحتجاز باصين لضباط من قاعدة القليعات العسكرية، بعد اغتيال مسؤول الجبهة الشعبية حينها.في هذه العجالة أتذكر حادثة للدلالة على حرص الحكيم. فقد أصيب المسؤول العسكري أبو الأديب بجرح كبير برأسه، حيث قمنا بنقله إلى المستوصف الشعبي بطرابلس في ساعات الفجر الأولى، وقمت بعدها بالتوجه إلى بيت الحكيم بأبي سمراء لإخباره بوجود أبو الأديب جريحاً بالمستوصف قرب ساحة التل. وكنت حينها بالزي المرقط الخاص بالجبهة وأحمل كلاشينكوف سيراً على الأقدام ( قد يكون تهور فتوة ولإنقاذ أبو الأديب من النزيف المستمر برأسه ) فتح الحكيم الباب وفوجئ بوجودي أمامه هكذا مستغرباً وسئلني : "شو في أبو علي؟" أخبرته.ارتدى الروب فوق بيجامته وأحضر حقيبة العلاج وصعدت معه بسيارته وقال لي معاتباً : "نزل الكلاشينكوف لتحت حتى ما حدن يشوفه" وتابع معاتباً : "معقول نازلين من نهر البارد هيك؟؟ لو تصادفت مع دورية للدرك أو الأمن أو الجيش كان راح يصير اشتباك معهم".. وأنهى كلامه محذراً: "أياك أن تعيدوها مرة ثانية".لدى وصولنا إلى المستوصف، قام فوراً بإجراء جراحة عاجلة للرفيق أبو الأديب وتقطيب رأسه والاهتمام به.المناضل أبو الأديب استشهد لاحقاً عام 1974 في مواجهات بشمال العراق . وقد شارك بمعارك الدفاع عن المقاومة في أيلول 1970 بالأردن، وكان ضمن قطاعات الجيش العراقي التي وصلت على عجل إلى سوريا عام 1973 وأوقفت تقدم القوات الصهيونية التي كانت على أبواب دمشق.