كانت الأوضاع مشحونة جداً في لبنان، والجماهير في حالة غضب بعد أن قامت وحدة كوماندوز صهيونية أواخر 1968 بتدمير الطائرات المدنية اللبنانية بمطار بيروت الدولي ولم يتصدى الجيش والأمن اللبناني لتلك القوات، ومع بدايات عام 1969 بدأ الجيش اللبناني التضييق على القواعد الأولى للمقاومة الفلسطينية في جنوب لبنان خاصة القطاع الأوسط والعرقوب. لتتصاعد إلى حالة حصار كاملة لتلك القواعد في منتصف نيسان 1969 تمهيداً لأقتحامها والسيطرة عليها. تداعت الحركة الوطنية اللبنانية إلى تنظيم تظاهرة مركزية كبرى ببيروت للتنديد بممارسة الجيش اللبناني ولرفع الحصارعن قواعد المقاومة الفلسطينية بالجنوب وحرية العمل الفدائي ضد العدو الصهيوني. وقد حدد التجمع في ساحة البربير والإنطلاق منها عبر النويري ـ البسطا إلى ساحة النجمة والإعتصام أمام مجلس النواب اللبناني. لدى وصولنا إلى بيروت آتين من طرابلس، وجدنا الجموع الكبيرة محتشدة أمام مدرسة المقاصد / الحرش قرب ساحة البربير بعد أن طوق الجيش اللبناني بعناصره ومدرعاته وآلياته المنطقة من جهة النويري وكورنيش المزرعة والمتحف. معلناً رفض السلطة اللبنانية لتلك التظاهرة. كانت قيادات الحركة الوطنية تصل تباعاً: كمال جنبلاط، عبد المجيد الرافعي، محسن ابراهيم، جورج حاوي، ابراهيم قليلات...الخ، وكان هناك إصرار من الحركة الوطنية اللبنانية على الإنطلاق بالتظاهرة مهما كان الثمن. تقدم قادة الحركة الوطنية والجماهير بإتجاه ساحة البربير. كان الحكيم في مقدمة الصفوف وهو ينشد ( هذا يومي يوم عيدي...فك إغلال العبيد) وجماهير البعث تردد ورائه. على حين غرة ولدى اقترابنا من ساحة البربير، إنهمر الرصاص الغزير علينا. وبدأ تساقط الشهداء والجرحى، وسط حالة ذهول وغضب، وإندفع الحكيم أمامنا يصرخ بنا "إهجموا يا شباب" كان قد سقطت الدفعة الأولى من الشهداء بينهم شهيدين من طرابلس (صفوان دندشي وأحمد ولي الدين) و أصيبت بجانبي شابة فلسطينية كانت طالبة بالجامعة الامريكية ببيروت برصاصة في بطنها إندفعنا عزلاً نحو قوات الجيش، إستطعنا السيطرة على ساحة البربير، وأتذكر أنه كان هناك جيبب عسكري للجيش أمام باب طوارئ مستشفى البربير إستطعنا قلبه على جانبه وإضرام النار به. تراجعت قوات الجيش أمامنا من جهتي النويري وكورنيش المزرعة، رغم إستمرار إطلاق الرصاص علينا. وبدأت اشتباكات بالأيدي حول شاحنات الجيش وأحياناً داخلها بين المتظاهرين وعناصر الجيش. تعاظمت الاشتباكات، ووصلت قوات كبيرة من الجيش لتعزيز عناصرهم، وسقط المزيد من الشهداء والجرحى، وبدأت حملة اعتقالات واسعة، ودعوات للتفرق حفاظاً على أرواح الأبرياء بعد إصرار الجيش والمكتب الثاني على الإستمرار بسياسة القتل، حيث تبين لاحقاً أن الشهداء والجرحى كانت أصاباتهم على مستوى منتصف الجسم والرأس وليس على الأرجل يعني بهدف القتل المباشر. تفرقنا وعدنا إلى ساحة البرج لأخذ البوسطات المدنية للعودة إلى طرابلس، على طول طريق الساحل كانت دوريات وحواجز الجيش اللبناني تقوم بتفتيش دقيق، حيث تم توقيف العديد من المشاركين بالتظاهرة. وإزاء القمع الدموي لتلك التظاهرة المدنية السلمية بتلك الطريقة الوحشية أعلن رئيس الحكومة رشيد كرامي استقالته وحكومته، ليدخل لبنان في حالة فراغ حكومي. وبقيت تظاهرة 23 نيسان 1969 ، علامة مميزة وفارقة بتاريخ النضال اللبناني الوطني والقومي، حيث تراجع الجيش اللبناني عن حصار قواعد المقاومة بالجنوب اللبناني وبعض المخيمات الفلسطينية، وأكدت هذه التظاهرة ـ المجزرة على عمق وحدة النضال الوطني اللبناني والفلسطيني.