المدخل : - ماذا تعني رؤية موسكو لنظام دولي جديد يتجاوز البعد الأوربي؟ : - الأمبراطوريات .. شروط تكويتها .. ومسببات إنهيارها : 1- الرؤية الروسية حول النظام الدولي الجديد .. هي رؤية مشوشة تستلهم مؤشرات ليست متكاملة، وبتصورات إستخباراتية صرفة وليست إستراتيجية من الواقع الراهن، إنما من تأزمات الماضي السوفياتي الذي فقد كيانه ونفوذه في عدد من المواقع في ( مصر وعدن و ليبيا والعراق - حيث غدر الأتحاد السوفياتي بالعراق عام 1991، رغم وجود معاهدة موثقة بين بغداد وموسكو، وذلك في صفقة غادرة - ) كما فقد أجزاء مهمة تشكل منظومة دول حلف ( وارسو ) ، التي بدأت تتسرب نحو حلف شمال الأطلسي ( الناتو ) ، وهو الأمر الذي فقد فيه الأتحاد السوفياتي مكانته كقطب ثنائي دولي، وفقد أصدقائه وأحزابه التي انفرطت بمجرد إنهياره. الآن .. تنطلق موسكو من شعورها بالأنهيار والأنكسار لتستعيد عناصر قوتها .. ولكن من الصعب أن تستعيد عناصر قوتها إلا بـ ( إقتصاد تكاملي ) ، ومن دونه تظل روسيا دولة كبرى ولكن ليست عظمى تتمتع بميزة القطب الدولي .. ولهذا تعمل موسكو الآن على صياغة توازنات ذات طابع إقليمي وآخر أممي في ضوء جملة من المؤشرات غير عميقة : أولاً- أن الغرب ينكمش، ويتفكك تدريجيًا بتأزماته الأقتصادية والسياسية والبنيوية، وبالتالي يتشرذم وينهار إتحاده .. هذه الرؤية قاصرة، لأن من الصعب الأستناد المطلق على تأزم إقتصادي في بعض دول الأتحاد الأوربي، وإنسحاب بريطانيا، وصرخات هنا وهناك مطالبة بالأستفتاء .. هذا ليس واقعًا حقيقيًا لكي يبنى عليه قرار.!! ثانيًا- إن أمريكا تتراجع نحو الداخل نتيجة لأوضاعها الأقتصادية والمالية المتفاقمة جراء تدخلاتها العسكرية الخارجية .. وهذا صحيح، ولكن من جهة أخرى أن الأقتصاد الأمريكي هو ( إقتصاد تكاملي ) ومتجانس بنيويًا على مستوى الأنتاج .. فيما تعد أمريكا قوة عسكرية ضاربة على مستوى العالم. ثالثًا- إن المنظومة الأطلسية وخرائط التحالفات الدولية تتغير. رابعًا- وإن العولمة بكل أبعادها تتآكل . ولكن .. هذه الرؤية لم تكن ( متوازنة ) أساسًا مع قدرات موسكو على خلق توازنات رصينة إقليمية ودولية .. فأقتصاد موسكو، كما ذكرنا، ضعيف وسلوكها السياسي الخارجي يتسم بالعنف وإن العودة إلى المكانة الدولية المفقودة لا يأتي عن طريق التحالفات والمحاور المشكوك في أمر قدرتها على البقاء في صيغة هروب إلى أمام بوسائل التدخل العسكري واستخدام القوة .. هنا، يبرز الأخفاق في صياغة التحالفات الروسية .. فالتحالف البراغماتي المبني على القوة مع إيران هل يحقق لموسكو نجاحات؟ ومعروفة هي إيران الدولة التي ترعى الأرهاب وتمارسه على نطاق واسع علانية وبوضوح وصفاقة. فأذا كانت هذه رؤية روسيا قد اخذت جانب الجدية في غموض العلاقة الكائنة بين واشنطن و ( حلف شمال الأطلسي ) واشنطن و ( الأتحاد الأوربي ) ، فأن هذا الغموض قد تلاشى، فهل ستعيد موسكو النظر في رؤيتها حيال أوربا وغيرها، بما يستقيم مع الواقعية السياسية التي تحكم العلاقات الثنائية والمتهددة الأطراف؟! موسكو تريد أن ترفع عنها الضغوط والقيود، وأن تشارك في تشكيل نظام دولي متعدد الأقطاب، وتثبت دورها في هذا التشكيل ولكن على قاعدة ضعيفة هي ليست مؤهلة إقتصاديًا وتكنولوجيًا وإستقطابيًا لمثل هذا الدور. وازاء هذا الوضع غير القويم تريد موسكو أن ترسم ملامح نظام دولي جديد تتجاوز فيه أوربا والأتحاد الأوربي وحلف شمال الأطلسي على أساس مؤشرات سطحية لا تستقيم مع الواقع الموضوعي بحال.!! إن لعبة ( استمرار الحرب في العراق وسوريا وباقي دول المنطقة، التي تقودها موسكو وإيران ) ، تقع في أحد أوجهها موضوعة ( الهجرة القسرية ) بالملايين إلى أوربا .. لماذا؟ هل الهدف هو التعجيل بإرباك اوربا وخلخلتها وتفجيرها من الداخل في شكل صراعات سياسية يهيمن الروس على مفاصلها، التي تحدثنا عنها في الحلقتين السابقتين .. وذلك لتجريد أوربا من أدوات الضغط، ودفعها من ثمَ ، إلى التفكك .. وبهذه السياسة ( الروسية الأيرانية المتعاونة ) يتم منع أوربا من أن تتكامل لتصل إلى الكتلة السياسية- الأقتصادية- الأستراتيجية الفاعلة في تشكيل النظام الدولي الجديد.!! - إن أفول الحرب الباردة لا يعني نشوء نظام دولي جديد، لأن ذلك يحدث ضمن شروط ومقومات سبق وتحدثنا عنها .. بيد أن ما حدث بالفعل هو ( أحداث وأزمات ومشكلات ) ، لم تحدث فجأة، إنما جاءت على أنقاض تراكمات سابقة لم يستطع النظام الدولي ( ثنائي القطب ) حلها، إنما أبقاها مالفات متروكة على رفوف التسويات والتوافقات أو على صفيح ساخن حسب تقسيم مناطق النفوذ، بأستثناء المناطق الرمادية .!! - تحاول روسيا أن تفجر الداخل الأوربي بأختراقه ( بما يحمل من تناقضات ) وهي تناقضات ذات طابع قومي عنصري وغيرها، والعمل على وضعها في غير سياقها أو دفعها إلى التصادم أو المنافسة الحادة المدعومة للوصول إلى سلطة القرار السياسي في الدولة الأوربية .. وهذا ناتج عن متغير ( جيو-سياسي ) ، رسم خارطة ( أوراسيا ) ، عندها تغيرت الجغرافيا السياسية للحرب الباردة .. هذا المتغير قد أخَلَ بالقاعدة التي يعتمد عليها ( توريث ) الأتحاد السوفياتي أمنيًا وإستراتيجيًا، ووضعها في دائرة ( الدفاع ) الجيو- إستراتيجي.!! - هذا الواقع يعاني، كما أسلفنا، أزمات نجمت عن المتغير الجيو- سياسي، كان في مقدمتها الأزمة ( الأمنية ) ، التي سادت العالم تقريبًا وكادت أن تقسمه بين ( معي أو ضدي ) ، ثم تخللتها الأزمة ( الأقتصادية ) ، التي ضربت النظم الأوربية وانسحبت على باقي النظم الأقتصادية الأخرى، وخاصة النظام الأقتصادي الأمريكي ونظام اليورو الأوربي، ورافق كل هذا، الأزمة التي حلت بالنظام العربي الرسمي في نطاق نظرية ( الفوضى الخلاقة ) ، حيث أسقطت نظم سياسية ودمرت هياكل دول عربية، تخللتها حتى الوقت الراهن، موجة من عمليات الأرهاب المنظمة المأخوذة بأستراتيجيات دول إقليمية وبأدوات إستخباراتية- مذهبية مسلحة . - وهنا .. يمكن التساؤل، ِ ممَ يتشكل النظام الدولي الراهن الذي يترنح أمام الأزمات، التي تعمل على تغييره لتشكل من ثمَ نظامًا دوليًا جديدًا ؟ وفي حالة التغيير، فهل يشمل التغيير مكونات النظام وهياكله النظمية أيضا - وهي حصيلة قرار المنتصرين في الحرب العالمية الثانية لعام 1945، فضلا عن تحولات في القوة غير التقليدية وظهور التوازن في الرعب النووي بين القطبية الثنائية - وهي: ( أحكام القانون الدولي - الأمم المتحدة - المنظمات المتخصصة التابعة لها - صندوق النقد الدولي - البنك الدولي - منظمة التجارة العالمية - مجموعة العشرين - إشاعة السوق الحره - رعاية نظام القطاع العام - وحلف شمال الأطلسي ) .؟ - النظام العالمي لا يدار من قبل دولة عظمى أو كبرى واحدة ، أو حتى عدد محدود من هذه الدول، تبعًا لقوتها العسكرية والمالية، يسوغ لها وضعها إحتكار ( القرار الأممي ) .. إذ تشكل هذه الرؤية الواقعية ركنًا أساسيًا لمعنى ( الشراكة الدولية ) في تقاسم مسؤولية إدارة النظام بالتنازل جزئيًا عن ( السيادة ) لصالح إدارة النظام الدولي العادل . إذن .. هنالك مسؤولية جمعية تتولى إدارة النظام الدولي الجديد سياسيًا وقانونيًا وإستراتيجيًا وحضاريًا، فضلاً عن أهمية المحافظة على ( المنظومة القيمية ) التي تتعلق بالجانب الأنساني، الذي تنص عليه مبادئ ميثاق الأمم المتحدة، برفض ( الأنتقائية ) في تفسير الأحداث والوقائع والمشكلات والأزمات، إنما وضعها في سياقها الحقيقي العادل، مع تفعيل ( محكمة العدل الدولية ) و ( محكمة الجنايات الدولية ) ، لغرض محاكمة مجرمي الحروب وعدم السماح بأن يفلت منهم أحدًا من العقاب الجماعي الدولي.!! - المسؤولية الجمعية تضفي الشرعية على النظام الدولي الجديد .. فالأنظمة الشمولية البوليسية والتسلطية والأرهابية أو التي ترعى الأرهاب والمحتلة لأراضي الغير، هي التي أضعفت النظام الدولي الراهن المترنح .. فمؤسسات النظام الدولي ظهرت بعد الحرب العالمية الثانية على وجه الخصوص لتعبر عن مؤسسي النظام الدولي المنتصرين في الحرب، ولم تكن قد ظهرت لتعبر عن مصالح شعوب العالم.!! - واقع التحولات التي تجري : - الأمبراطوريات .. شروط تكوينها .. ومسببات إنهيارها : يتبـــع ..