جميع الذين هاجموا واتهموا مؤتمر المغتربين العراقيين الحادي عشر، الذي عقد بموافقة الحكومة الأسبانية في مدينة اوفييدو شمال غربي البلاد، لم يصلوا في هجومهم عليه واتهامهم له إلى كعب حذاء أي مشارك فيه، ولا أقول ذلك غضباً أو انزعاجاً منهم، وإنما أصف واقع حال. لأول مرة في حياتي أشارك في مؤتمر المغتربين العراقيين، بدورته الحادية عشر، ولم أشك، قطعاً، في أن هذا المؤتمر سينجح نجاحاً منقطع النظير، كما لم أشك أنه سيواجه باتهامات رخيصة وهجمات موتورة، فالقوى الوطنية العراقية المتفاهمة حضرت فيه ونصب عينها هدف كبير هو تخليص العراق من حكم المليشيات والاحتلال الأمريكي الإيراني. والمبهج في المؤتمر حضور عراقيين وعرب من أعمار مختلفة، وأسهم الجميع بنجاحه المدوي، الذي أرعب اللاوطنيين المتمسحين بالاحتلال. في هذا المؤتمر طرحت رؤى كثيرة صائبة، جميعها كانت لوجه العراق، وكان مشروع حزب البعث العربي الاشتراكي لإنقاذ العراق، أحد تلك الرؤى الصائبة التي حظيت بقبول الجميع واستحسانهم، ونوقشت هذه الرؤية كما نوقشت الرؤى الأخرى، بروح ديمقراطية عالية، دفعت ببعضهم إلى اقتراح تشكيل برلمان وطني عراقي ينبثق من المؤتمر نفسه، وكان مصب الرؤى جميعاً مصير العراق وطرق تخليصه وإنقاذه. وجد بعض الناس أن مقررات المؤتمر كانت سقوفها عالية، ولكنهم لم يفطنوا إلى علو سقف الإرادة العراقية المستعدة لتنفيذ تلك المقررات خلال سنة واحدة، وتتكئ هذه الإرادة القوية على الفعل الشعبي داخل العراق، الذي يقض مضاجع من سلطهم الاحتلال على العراق، فلم يجدوا إلا حزب البعث ليهاجموه ويصبغوا جميع المشاركين بلونه، وعلى الرغم من أن حزب البعث كان أحد المشاركين لا جميعهم إلا أن الهجمات انصبت عليه وحده، لشعور أبناء العملية السياسية بأن ما بذلوه من أموال طائلة وجهود وما دبروه من دسائس وأكاذيب ضد هذا الحزب ذهب سدى وصبّ هجومهم في مصلحة الحزب، الذي أخذت الجماهير تردد خطابه المتوازن وتتبنى أهدافه وتلتف حوله، وخصوصاً الشباب الذين كانوا أطفالاً عندما جرى الاحتلال وأبعد الحزب عن الحياة السياسية في العراق. وهذا ما عزل العملية السياسية، التي فرضها المحتل، وشخوصها عن الجماهير وهو ما أشعرهم بالقلق على مصائرهم وبأن ساعة القصاص منهم اقتربت وتحرير الوطن أصبح وشيكاً، فركزوا الهجوم على البعث الذي وصفوه بـ(المقبور) مرة، وبـ(المباد) أخرى، والذي ادعوا أنه لن تقوم له قائمة بعد أن شيطنوه وشوهوه، ولم يتكلم الحزب ازاء ذلك ولم يرد، بل تكلمت إنجازاته ووطنيته وتكلم حرصه على الشعب وحبه له، مقابل الخراب والدمار الذي أحدثه الاحتلال وذيوله. ونجح مؤتمر المغتربين بجهود حثيثة مشكورة بذلها عراقيون مخلصون، بعثيون وشيوعيون وإسلاميون وقوميون ومستقلون، ولا نشير إليهم بالأسماء لأن ذلك يقتضي منا ذكر أسماء ألف عراقي حضروا المؤتمر وملايين آزروهم وأسهموا في صنع هذا النجاح المذهل في العراق والوطن العربي.