المسيحيون العرب جزء أساسي في الوجود على الارض العربية ، وهم مواطنون ضاربة جذورهم في هذا الوطن الذي يعيش فيه أبناؤه بدون أية فوارق لا دينية ولا عرقية ولا طائفية ، ولأن المواطنة هي الأساس ، فليس هناك من حق لأحد أن يعترض على الاعتقاد الديني لأي مواطن ، فالدين لله والوطن للجميع ، ولكل احترامه في عقيدته وفي عاداته وتقاليده ، فمظلة الوطن هي التي لا تعلو عليها أية مظلة . منذ ظهور الحركات الدينية الموغلة في التعصب ، وسادت الاعمال الطائفية الاجرامية التي ديدنها القتل دون وجه حق ، والتي قد إنحرفت بالتعاليم الدينية نحو مواجهة الآخر الذي تختلف معه ، على الرغم أن مصدر كل الديانات واحد ، وحتى لو كان هناك ديانات أرضية غير سماوية ، فليس من حق أحد أن يعترض أو يقف في طريق أداء أصحابها لممارسة معتقداتهم دون أن يكون ذلك على حساب الآخرين . المسيحيون العرب ليسوا طارئين على الوطن ، فقد كانوا في الوطن العربي قبل ظهور الاسلام ، وعندما جاء الاسلام أكرمهم ورفض التعامل معهم بالعدوانية ، أو بالهيمنة والسيطرة ، فلكل دينه ، وهناك العديد من الآيات والاحاديث النبوية الشريفة من تقر لهم حقوقهم ، وترفض العدوان عليهم أو المساس بممارستهم لعقيدتهم . بين الفينة والاخرى نشهد ممارسات باستهداف المسيحيين واماكن العبادة لديهم، وهو ما يؤشر على خلل في هؤلاء الذين يمارسون الارهاب من قبل التنظيمات الطائفية الارهابية ، التي لا تمثل ديناً ولا خلقاً ، وهي تمارس العدوانية على الوطن بكل مكوناته سواء الدينية أو العرقية . في مصر التي يعيش فيها المسلمون والاقباط بسلام ووئام ومحبة ، يتم استهداف المسيحيون في اماكن عباداتهم ، وهوما يؤشر على استهداف مصر بمسلميها ومسيحييها ، أي هو اعتداء على كل مصر ، وليس على المكون المسيحي فيها فحسب ، فاستهداف المسيحيين هو سعي لتدمير مصر والحياة على الارض المصرية، واستهداف مواطن مصر وانسانها ، فالاستقرار والامن الوطني هو واحد من ضروريات العيش المشترك بين كل مكونات المجتمع ، وما عدا ذلك فهو سعي لتدمير الوطن والمجتمع لن يكون في صالح عموم أبناء الوطن الواحد . المكون المسيحي ضرورة وطنية وقومية في تواجده على الارض ، يؤشر على احترام الامة لإنسانها أياً كان دينه أو معتقده أو طائفته وحتى عرقه ، فهذا التنوع الديني والعرقي هو اثراء وثروة للوطن، فالتنوع سمه حضارية تعيشها الدول والمجتمعات . لابد أن نعي أن العروبة جامعة لنا جميعاً ، وهي الحضن الدافئ لكل أبناء الأمة ، فكلنا لنا لغة واحدة وتاريخ واحد و عادات وتقاليد واحدة ، والمواطنة تجمعنا جميعا فليس لأحد فضل على آخر لأن الوطن مظلتنا جميعا . إن استهداف المكون المسيحي فيه اعتداء على الوطن والدين وكل القيم الاخلاقية، فكيف يتسنى لنا أن نعيش ونحن نرفض الآخر ، فهل يعقل أن نرفض السلم الاجتماعي والعيش المشترك بما فيه السلم الاجتماعي الذي يحترم كل التنوع الموجود في الوطن ؟ ، ويتشرب من هذا التنوع أجمل ما فيه من تشكيل لوحة فسيفسائية جميلة ، تعطي للوطن لوحة رائعة وجميلة يتغنى بها كل مواطن . استهداف اماكن العبادة للمسيحيين في مصر هو ضرب لوحدة مصر ، وتخريب العلاقات الاجتماعية والإنسانية على ارضها ، وتعطيل لقدرات الشعب المصري لحرفه عن مواجهة حل ما يواجهه من مشكلات ، وعدم قدرته على الوقوف في وجه أعدائه وأعداء أمته ، فنحن أمة تواجه الخطر من الداخل والخارج ، والعمل على تحصين الجبهة الداخلية مهمة وطنية يجب أن يعيها كل مواطن ، فلا فرق بين مواطن مسيحي ومسلم ولا بين طائفة واخرى ، فالكل سواسية امام القانون ، ومن يؤمن بغير ذلك لا يؤمن بوطن ولا بمستقبل أمة . لقد عاش العرب بكل معتقداتهم الدينية على الارض دون أن يكون للخلافات في المعتقد الديني أي اثر في مسيرة حياتهم ، ولا في التأثير على نسيجهم الاجتماعي، لايمانهم القاطع أننا جميعاً اخوة ، فاخوة الوطن تسبق اخوة المعتقد ، فالاول فيه عيش مشترك ولا حياة بدون العيش المشترك ، والثاني فيه معتقد لا يحاسبك عليه غير رب العباد ، ولكل أن يواجه ربه ، ولا أحد سواه في المواجهة . dr_fraijat45@yahoo.com